د. خالد بن سعود الحليبي
في الزمن الذي يعيش فيه المثقفون والشعراء أحلام ما يسمونه (الانسانية) ، ويمجدون الكاتب الذي يتجاوز اقليمه، بل عنصره، بل دينه الى الغناء للانسان بشكل عام، ويسعون لرسم الابتسامة الصافية على شفتيه البائستين في عصر التقدم المادي، ويرون ان الخلود الحقيقي، والقيمة الكبرى، والانتشار الاوسع للعمل الادبي والثقافي هو الذي تضمحل فيه الخصوصية الذاتية والقومية للكاتب، ويشعر معها المتلقي في اي مكان ان ما كتب له، وان الكاتب استطاع ان يشعر بشعوره وآلامه على الرغم من كل الفواصل والعقبات البيئية والحضارية.في هذا الزمن نفسه يقوم الساسة العالميون بتحطيم هذه النظرة على رؤوس اصحابها، حيث تجاوز الامر عراك الخطاب الشتائمي، الى الخطاب الصاروخي، حيث لم يعد هناك اية فرصة للحوار بين الحضارات، وكل طرف من اطراف هذه الحرب المتوحشة يصنف هجوم الآخر او دفاعه عن كيانه في خانة الارهاب الدولي.والواقع ان المصالح القومية، والاحقاد التاريخية، هي التي تستعر في كل طلقة، وهي الوقود النفاذ لكل قاذفة.وهاهي ذي امريكا تسلخ جلدها، وتكشف أنيابها، وتجهر بعداوتها، وتبرهن على بقاء الحقود التاريخية جذعة في صلبها، والا فماذا يعني ضربها الاهوج لافغانستان لتحصد آلاف المسلمين، بحجة الانتقام من ضربات لم يثبت لها - على الاقل آنذاك - مصدرها، وما ذنب اولئك الضعفاء في خيامهم، وعششهم، وبيوتهم المهترئة، لقد سكت العالم آنذاك لكونه لا يزال مشدوها بذهول الحدث الذي لم يتوقع أبدا. ثم جاءت بكل عنفوانها وغطرستها لتحطم ما تبقى من احترام المخدوعين بها وبديمقراطيتها المزعومة في العراق، لتحول هذه السياسة الرعناء كل امريكي الى هدف للكره المشحون بالغضب!!ثم من الجانب الآخر ما يتطلع اليه المسلمون في الارض، ومن بينهم شعوب الدول العربية من استفادة قصوى من الحدث المفروض عليهم، لتوحيد صفوفهم، ولم شملهم، ولو في قرارات موحدة، وموقف واحد، فان الحقيقة المرة التي كشفتها المؤتمرات الاخيرة، والتصريحات السياسية في المؤتمرات الصحفية الحربية لاكثر من دولة، من عمق هذه الخلافات، والبعد الواسع بين كثير من القادة، لاختلاف الايدلوجيات، واختلاف الاهداف، واختلاف المصالح، كل ذلك يهدد الكيان العربي، ومن ثم الاسلامي بالانهيار، والتآكل، ومن ثم الفناء على الساحة السياسية.لاشك ان المرحلة التي نمر بها ربما تكون اخطر مرحلة تمر بها الامة الاسلامية منذ ما بعد الاستعمار، لكونها تهدد عقيدتها ووجودها، وحريتها.انها مرحلة تحتاج الى تضافر الجهود للعودة الى الاصول التي بنيت هذه الامة على أسسها، يجلس فيها العالم الشرعي المتفتح على الواقع، مع المختصين في كل مناحي الحياة، مع الساسة، على منضدة واحدة، لصياغة مشروع ضخم بقدر المأساة ، لمحاولة تكثيف الخبرات لصياغة المستقبل القريب، قبل ان تفوت الفرصة الاخيرة.. لاقدر الله.وحين يتقاعس واحد منهم عن أداء واجبه بأية حجة كانت، فتلك خيانة عظمى للأمة في أحلك أزماتها.ولا اريد ان اختم هذه المقالة، الا ان ذكر ما يجنه فؤادي ، وتنطوي علي أعراقي، وهو ان هذه الامة منصورة لا محالة، وانها خلقت لتبقى، وان المستقبل لدينها الاسلام الذي ارتضاه لها ربها، وان ما يجري انما هو امتحان عسير لنا، ليعلم الله الذين صدقوا، وليعلم الكاذبين.