محمد الحرز

نازك.. ذاكرة إبداعية متفردة

من يتصور حالة المثقفين في الوطن العربي يدرك مدى التردي والأسى الذي وصلنا إليه, حالة من التردي لا يمكن أن تقاس بأي ثقافة أخرى لدى شعوب العالم. التردي لا يكمن في ضياع الدور الكبير المنوط للمثقف العربي الذي تنتظره الأجيال, ولا لحالات الاستقطاب الحزبي والإيديولوجي التي أدخل المثقف والمبدع نفسه في أتونها وصراعاتها. هذه أمور تكرست ولا زالت في المشهد العربي برمته, ولا يمكن أن يختلف عليها اثنان. لكن حالات التردي تذهب إلى أقصاها حين يفقد الكاتب المبدع قيمته الثقافية والاجتماعية, وتنسى انجازاته في سياق التخلف وتكريسه الذي تتسم به الثقافة العربية في لحظتها الراهنة. هذا النسيان مأساوي بكل ما تحمل الكلمة من معنى. والغريب أن فرادة تجربة المبدع المجدد على المستوى العالمي تصبح لدى شعوب أخرى علامة فارقة, ومنهلا عذبا لا ينضب للأجيال التي ينتمي إليها المبدع بالخصوص. ولأن القائمين على الثقافة في الغرب بالخصوص يدركون مدى القيمة الحضارية التي يحظى بها أي كاتب مبدع , فإنهم يعتنون تماما بالمؤسسات الثقافية التي تتيح التواصل بين المبدع والمجتمع من جهة , وبين أفكاره وتصوراته التي تندرج ضمن الأهمية القصوى التي تمنح لتلك المؤسسات , والأهداف التي يمكن تحقيقها من خلالها . ما دعاني لطرح مثل هذا الموضوع هو خبر وفاة نازك الملائكة وحيدة وغريبة في مصر. نازك بلا شك ذاكرة لا يمكن وضعها موضع النسيان , أو موضع التهميش , ولكن هكذا هي حال الثقافة العربية لا تمد يدها لمثقفيها . وإذا كانت كل ذاكرة إبداعية متفردة تحمل سمات تاريخية كشهادة على جيل كامل عاشه الكاتب , فإن نازك هي من الرواد في تكريس مثل هذه الذاكرة . لكن غياب المؤسسات الثقافية في الوطن التي تزيح الصدأ عن هذه الذاكرة هي المسؤولة بالدرجة الأولى على ضياع تجربة كنازك ليس عند النخبة وأثرها في ذاكرتهم . لكن الأهم في تصوري يكمن في التساؤل التالي: هل يعقل أن تغيب مثل هذه الذاكرة عن أجيال وأجيال في الوطن العربي؟