فجوة أسواق العمل
اذا ما اردنا الحديث عن الخطوات المطلوب اتخاذها لسد الفجوة بين اسواق العمل من جهة والتعليم والتدريب من جهة اخرى، فانه بالامكان ان نلاحظ في البدء ان المؤسسات التعليمية بدول المجلس قد حققت تقدما كبيرا، بيد ان التعليم لا يزال يعاني من بعض الصعوبات التي اثرت سلبا على تحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل من اهمها عدم التركيز على تنمية المهارات الاساسية في مناهج التعليم وضعف الاداء المدرسي .وباختصار، فلكي تقل المعوقات الناجمة عن نقص العمال الى اقصى حد ممكن، ولكي يرتفع استخدام العاملين الى الحد الافضل وينخفض الفاقد الذي يسببه الاستثمار غير الفعال في الموارد البشرية، فانه ينبغي ايجاد تكامل بين السياسات الاقتصادية وبين التخطيط التربوي والتعليمي.وقد يكون من المفيد دارسة بعض التجارب الدولية وما حققته من انجازات، وذلك للاستفادة منها في ايجاد انسب الحلول ملاءمة للواقع الاقتصادي والاجتماعي في دول المجلس، ومن هذه التجارب - على سبيل المثال - برنامج التدريب المسبق في ايرلندا والموجه خاصة الى الشباب الذين لا يحملون الشهادة الثانوية ويبحثون عن عمل منذ اكثر من ستة اشهر، ولا يستوجب هذا البرنامج ان يكون المستفيد منه متمتعا بأي قدر من خبرة مهنية سابقة، وانما يهدف الى مساعدة الشباب كي يكتسبوا الخبرة، ويعايشوا مع التقنيات الجديدة ويركز البرنامج على تنمية الثقة بالنفس لدى هذه الفئة من الشباب والثقة بدورهم في المجتمع ، وزيادة مرونتهم وتجاوبهم، وتنمية روح المبادرة لديهم، وكيفية التعامل مع المشاكل ومهارات الاتصال الفعال واتخاذ القرارات ، ومدة التدريب في هذا البرنامج سبعة شهور يقضي المتدرب خمسة شهور منها في التدريب خارج محيط العمل وشهرين للتدريب على رأس العمل.وفي فرنسا تم تطبيق برنامج للشباب للذين تتراوح اعمارهم ما بين 17-26 عاما يعتمد على الارتباط المتبادل بين التدريب في المؤسسات التدريبية وبين الخبرة التي تكتسب في مواقع العمل، فبموجب عقد يبرم مع الدولة يلتزم صاحب العمل بتنظيم وتمويل تدريب الشباب طالبي العمل ويبرم معهم عقدا لهذا الغرض، ويحصل صاحب العمل على دعم من الدولة لكل ساعة من ساعات التدريب ، وطوال مدة العقد (عاما او عامين) يحصل المتدربون على اجر يتناسب مع مخصصات التصنيف المهني للوظيفة التي يشغلونها وليس قواعد الحد الادنى للاجور.واخيرا يمكن القول ان احتياجات دول مجلس التعاون الخليجي تتنامى من التدريب كما ونوعا كنتيجة لزيادة متطلبات سوق العمل من الكوادر الفنية المدربة والمؤهلة على اعلى مستويات الكفاءة والجودة ، وقد اصبح تأهيل الشباب حديثي التخرج للاندماج في سوق العمل لازما للوفاء بهذه الاحتياجات ولمواكبة التطورات التكنولوجية السريعة التي تحتاج الى تطوير الكفاءات الفنية والادارية، تلك الكفاءات التي تعتبر عاملا اساسيا في مجال تخطيط وتنفيذ مشروعات وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.وكي نضمن بناء فعالا لمواردنا البشرية الوطنية القادرة على الوفاء بكامل متطلبات الجودة والكفاءات في سوق العمل فلابد من الاهتمام بالتدريب المستمر وتوفير برامج اعادة التدريب والتأهيل ، وتنويع مستويات التدريب وتطويرها وتعدد انماط التدريب والتركيز على تعدد المهارات لمواجهة التطور والتجديد في مختلف المجالات .وقد يكلفنا ذلك تكاليف باهظة لكن المردود قيمته لا تدانيها كل هذه التكاليف، فالنتيجة الحتمية للمستوى الجيد من التدريب والتأهيل هي التنمية الشاملة التي تعتمد وترتكز أساسا على التنمية البشرية.