الدكتور عبد الرحمن الغنيم يروي المآثر الإنسانية للملك سعود
شخصية معاصرة تحدثنا عن تجربة مختلفة رافق الملك في حله وترحاله،، ضيفنا اليوم مقلل من الخروج الى الاعلام ولكن كان لهذا الحدث وأهمية معرض صور المغفور له الملك سعود ان تفيض ذاكرة ضيفنا في تلك المواقف المتعددة التي تكتسب وترسخ وتسجل في ذهن من يتعايش معها فحدثنا ضيفنا د. عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن سليمان الغنيم، من مواليد المنطقة الشرقية - جزيرة دارين عام 1938م درس بالمملكة ثم انتقل عام 1951م للدراسة الى لبنان وتخرج في ثانوية الجامعة الامريكية ببيروت عام 1958م ابتعث بعدها الى المانيا لدراسة الطب ثم اكمل دراسته في النمسا حيث تخرج من كلية الطب - جامعة فينا - وعمل بمشفى الجامعة مع طبيب الملك سعود (البرفسور المشهور «فلنجر») حيث عمل مترجما للملك سعود - يرحمه الله - ومرافقا له في رحلته العلاجية، وكان بيننا هذا الحوار.* كيف كانت البدايات وكيف كانت معرفتك بالملك سعود؟- اول لقاء لي مع الملك سعود رحمه الله كان زيارته للبنان ومرة اخرى حين جاء الملك سعود - يرحمه الله - لافتتاح ميناء الملك عبدالعزيز بالدمام وعند السلام عليه سألني (من انت)؟ وعرفته بنفسي وكم كان سروري عظيما عندما عرفني وفي عام 1962م سافر الملك لالمانيا ليتلقى العلاج وكنت حينها ادرس الطب في جامعة فينا فجئت للسلام عليه، وقد انست بوجودي حوله وحضوري مجلسه، وحينها طلب مني ان اقوم بالترجمة للاطباء والضيوف الالمان ورافقته في رحلة العودة الى الطائف بطائرته الخاصة . كنت في الطائف احضر مجلسه - يرحمه الله - حيث كونت صداقات مع انجاله الذين كانوا معه في المانيا. ثم عدت الى فينا لاكمال دراستي هناك ثم جاء الملك سعود الى فينا للعلاج عام 1963 فرافقته في مستشفى الجامعة وقمت بالترجمة له للاطباء والضيوف متكلمي الالمانية واستمر الحال الى ان انتهى علاجه فمكث مع اولاده في فينا مادة الصيف وكنت معه طيلة تلك الفترة. وقد توفى والدي - يرحمه الله - وانا لم اكمل الاشهر الثلاث والسنوات التي قضيتها مع المغفور له الملك سعود - يرحمه الله - عوضتني عن حنان الوالد فكان بمثابة الاب وانا احببته كحب الابن لوالده.* في تلك الفترة كنت حاضرا معه وعاصرته لفترة طويلة كيف رأيت مجلس الملك الراحل يرحمه الله؟- في البداية كان الامر صعبا لما للملك من حضور وهيبة فكنت أجلس مستمعا لا أنطق ببنت شفه الملك يرحمه الله كان يتحدث بود ودماثة مع ابنائه الامراء الذين كانوا في مثل سني مما شجعني احيانا على التحدث مقتصرا معه . وكان الحديث يدور في مجلسه عن الجوانب السياسية والثقافية والتاريخية وجميع مواضيع الساعة آنذاك.* ومن هم اولاد الملك - يرحمه الله - الذين كانوا معه في تلك الفترة بالخارج؟- كان يرافقه الأمير عبد الله والأمير بدر والأمير ثامر الذي فجع بوفاته والأمير خالد والأمير ماجد والأمير سلطان والأمير منصور.* من المعروف ان الملك سعود - يرحمه الله - كان انسانيا بمواقفه، هل بالامكان الحديث عن بعض تلك الجوانب الانسانية في شخصيته يرحمه الله؟- توقف د. عبدالرحمن قليلا .. ثم ترحم عليه .. ودمعت عيناه. وقال : كان الملك سعود - يرحمه الله - انسانا بمعنى الكلمة ومن طبعه البشاشة والرحمة فكان يفرح لفرح الآخرين ويتألم لمصابهم.* هل يحضرك موقف معين؟- هنالك الكثير من مواقف الحنان والعطف والرحمة واذكر حادثة بالذات : كانت من عادة الملك ان يخلد للنوم وجميع الستائر مغلقة حتى لا يكاد يبدو بصيص نور وكان - يرحمه الله- ضعيف البصر وينام في الغرفة التي تتصل بها غرفة خادمه الخاص وكان بجانبه جرس لدعوة الخادم، في احدى الليالي طلب الخادم عدة مرات فلم يحضر مما اضطر الملك الى ان يذهب للحمام بمفرده فتعثر الملك - يرحمه الله - في طريقه الى الحمام بطاولة حادة اصابت ساقه بجرح عميق وتزلق وكذلك ذراعاه حيث سقط على الارض، تلمس الملك حوله فوجد الهاتف وحينها كان يجيب عن الهاتف مأمور السنترال فأوصله بي ودعاني - يرحمه الله - على عجل فجئته مسرعا بلباس النوم واذا هو في حالة تصعب حتى على العدو فدماؤه تغطي ثيابه والطاولة والسجادة التي تحتها وكان غاضبا ومنفعلا على عدم تواجد الخادم في الغرفة ولكنه لم يكن مهتما أو متأذيا من جرحه بقدر ما هو متأذ من وضعه وان يراه احد في تلك الحالة . استدعيت بسرعة طبيبه الخاص الذي كان يمكث في غرفة ليست ببعيدة عن غرفة الملك - يرحمه الله - واستدعيت كذلك خادمه الآخر وتمت العناية بجروحه . ولم تكن من عادة الملك اللعان وسمعته يلعن الخادم لانه السبب فيما اصابه . في الصباح حضر الخادم المعني فلم ندخله على الملك . وفي الضحى طلب الملك الخادم . وقد هدأت نفسه، فلما دخل عليه الخادم استشاط مرة اخرى وقال له انت (تستاهل على فعلتك كذا كذا وكذا..) ثم سكت برهة وكانت مفاجئة للجميع حيث طلب من الخادم ان يسامحه لانه لعن اباه ليلا . وقال هذا رجل ليس لي عليه حق وهو غائب وبدر مني تجاهه ما لا يستحقه، فأرسل لابيك ان يسامحني ويدعو لي بالغفران ثم امرني ان اعطي الخادم مبلغا من المال وان احرص واتأكد ان يرسله لابيه جثى الخادم على قدمي الملك واغرورقت عيون الحاضرين بهذا الموقف ثم بعدها بساعتين امرني ان اعطي الخادم المتسبب فيما اصابه مبلغا مجزيا من المال وامرني ان ابلغه الا يدوام تلك الليلة عنده.هذه نقطة في بحر انسانيته وعطفه.* هل هناك اشياء تذكرها عن الملك يرحمه الله؟ ـ كان يرحمه الله يذكر لي انه اذا حكم على احد بالقصاص (القتل او قطع اليد) كان يتألم لمن خلفه من اولاد او اهل وكان يرسل لهم معونات تكفيهم العوز والحاجة. وكان من طبعه ان يأخذ الحق من نفسه ومن اولاده ويتجاوز عن اخطاء الآخرين تجاهه ولا ننسى انه استقى صفات احقاق الحق منذ نعومة اظفاره من مدرسة والده العظيم الملك المؤسس عبدالعزيز يرحمه الله. * كيف كان لقاء الملك سعود يرحمه الله للسعوديين وللجاليات العربية الاسلامية في الخارج؟ ـ اينما حل الملك سعود يرحمه الله تتباشر الناس للقيام واستقباله . فقد عرف بالكرم وطيب اللسان وحسن المعشر فكان يسأل عن احوال الجميع ويقضي حاجاتهم. * كيف كان برنامجه اليومي في الخارج؟ ـ كان للملك سعود يرحمه الله برنامج منتظم يكاد لا يغيره الا عند الضرورة ومن عادته يرحمه الله ان يبدأ مجلسه الساعة التاسعة صباحا واول ما يسأل عنه اخبار المملكة واخبار العالم العربي والاسلامي وجميع العالم، فيكون ذلك اما ملخصا او تلقى عليه الاخبار وكان يستمع للاخبار من الراديو ويناقش الحضور بالاخبار، ثم حوالي الساعة العاشرة كان يخرج في نزهة ويجلس في اماكن معدة مسبقا لحضوره على شاطئ البحر حتى حوالي الساعة الثانية عشرة، ثم نعود لمحل الاقامة ليصلي الظهر ويتناول طعام الغداء مع ابنائه وضيوفه ومرافقيه ثم يعود بعدها للمجلس لتناول القهوة ويذهب بعدها للراحة في الساعة الثانية والنصف تقريبا . وفي حوالي الساعة الخامسة يخرج في فسحة بسيارته على شاطئ البحر ويعود حوالي الساعة السادسة والنصف للمجلس. ويستمر المجلس الى حوالي الساعة الثامنة ليدخل للعشاء مع الحاضرين، يعود بعدها للمجلس حتى الساعة التاسعة والنصف ثم ينتقل لعائلته . وقد كان يرحمه الله يحب طبيعة اليونان وحسن ضيافة اهلها. * ما الصفات التي احبها الملك والتي كرهها في الناس؟ ـ كان الملك يحب الوضوح والصدق في الكلام والمعاملة وان يدخل محدثه في صلب الموضوع دون مقدمات لاتفيد الموضوع بشيء وكان يرحمه الله يكره النفاق ويستطيع ان يضع اصبعه عليه ويكره كثرة المجاملات والتزيين وكان يحرص دائما على ان ندفع لكل صاحب حق حقه دون تأخير وكان يسأل باستمرار عن ذلك وكان لا يحب التملك خارج وطنه رغم انه قد يكون فيها توفير وكان يردد دائما (أي شيء في غير بلدك لا لك ولا لولدك). * ما الاشياء التي اكتسبتها من الملك عند معاصرتك له؟ ـ الصبر وكان يردد يرحمه الله: (سأصبر حتى يعلم الصبر انني صبرت على شيء امر من الصبر). وطولة البال وكرامة الخلق وحسن الاستماع والاصغاء، فهو يصغي اكثر مما كان يتكلم ويحترام الرأي الآخر وتعلمت منه الرحمة والعطف على من يستحق. * كان يطلق على الملك سعود يرحمه الله «ابو الخيرين» ما جوانب هذه المسميات في رأيك؟ ـ الحقيقة ليس عندي سجل لمعرفة سبب تسمية الملك سعود يرحمه الله «ابو الخيرين» ولكنني استشف من التسمية لما كان عليه يرحمه الله من كرم وعطاء وحب لبذل الخير فكان الملك سعود يرحمه الله محبوبا من الناس كل الناس من عرفه شخصيا ومن سمع عنه وكان متواضعا وعند زيارته المناطق حيث تنصب له خيم متواضعة على الطريق لا يأنف ان يقف عند عجوز بيدها دلة وكان اذا اقبل تتجمع الناس للقائه وكان ينفق من ماله الخاص على اهل بلده واذا حل بمنطقة كسا قراها وارسل معونات لاهلها خصوصا اثناء الحرب العالمية الثانية وتسمى عندنا في الشرقية «سنة البطاقة» حيث كانت توزع على الناس بطاقات لصرف مستلزمات الاسرة فكان مخصصا لكل شخص كمية معينة من الارزاق . وقد بلغ في تلك السنة سعر «قلة التمر» ما يعادل 32 ريال فضة التي كانت في ذلك الحين تساوي ثمن بيت قروي. فالملك يرحمه الله ورغم الظروف الصعبة كان يستدين ليفرج عن الناس ولا يرد احدا قصد بابه، بل كان يسعى هو ويبادر لمعونة الناس وقضاء حوائجهم. * اقيم معرض صور لمسيرة الملك المغفور له سعود بن عبدالعزيز يرحمه الله.. فماذا تقول عن هذا المعرض؟ ـ الملك سعود يرحمه الله كان سعدا على المملكة فقد ولد يوم فتح الرياض وكان منذ نعومة اظفاره في مجلس والده العظيم وتربى وتتلمذ هو واخوته في تلك المدرسة وساهم مساهمة حقة في بناء هذه الدولة . فقد عايش الملك المؤسس العظيم واحدا وخمسين سنة وله اياد بيضاء على هذه البلاد واهلها والجميع يعرف ذلك ويقر به ولا تتصور غبطتي وفرحتي حينما اعيد اسم الملك سعود للجامعة في الرياض . فنرجو ان نرى سيرة ذاتية بالصور الفوتوغرافية لحياة المغفور له - ان شاء الله - تبين لاهل البلد حقيقة تاريخ ومسيرة الملك سعود من خلال بعض ما يعرض من صور ومراسيم صدرت ابان حكمه وانا وغيري الكثير كنا ننتظر عملا جليلا يخلد ذكراه واول المشوار خطوة والبركة في انجاله وكريماته وارجو ان تتالى اعمال تليق بمقامه وذكراه يرحمه الله.
الملك سعود يحمل ابن الدكتور الغنيم على يديه بينما يقف الدكتور الغنيم بجواره
الملك سعود يحمل ابن الدكتور الغنيم على يديه بينما يقف الدكتور الغنيم بجواره