تجربتي مع معاق
تنساب الحياة بالناس انسيابا عاديا هادئا ورتيبا ولا ينتبهون الى انهم مهددون ومعرضون للخطر إلا عندما يحدث لهم حادث أليم وغير متوقع , فتتحول هناءة العيش الى مأساة , والسعادة الى حزن مقيم ويتفق الناس جميعا على أن طريق الحياة ليست معبدة بالورود , وليست طريقا سهلة , بل هي مليئة بالمشقات وبالمفاجآت الأليمة , والصدمات المروعة التي قد تقضي على بعض الناس , أو تترك في نفوسهم ندوبا وجروحا لا تندمل , وهذا الشرط الوجودي الذي نعيش فيه لا يجوز أن يجعلنا نجزع من الحياة وننظر اليها بعيون متشائمة , بل ان إيماننا بلطف الله وبما وهبنا إياه من مقدرة على التحمل وتجاوز المحن , يساعدنا على متابعة الطريق وسط ما تشهده من آلام ومآس فظيعة تحل بأفراد وبجماعات وبشعوب باكملها من حولنا.أسرد لكم قصة شاب رأيته في إحدى المستشفيات أثناء الزيارة يتجول في الممرات زاحفا مبتور الساق واليد اليمنى أي في وضع يرثى له اتى الى غرفة المرضى والتي بها والدي وطلب من أبي مبلغا وقدره خمسة ريالات فأعطاه ثم ذهب مسرعا وفرحا الى غرفة أخرى ليبحث عن شخص يدخن ليشتري منه ويحقق رغبته ويصل لهدفه .. وقبل ذلك بأسبوع دخل علينا بنفس الغرفة وطلب من أخي نفس المبلغ فأخرجه من الغرفة وأمره بإقفال الباب لوجودنا نحن النساء فيها , ثم أتى بالقرب من أخي وصافحه ولم يبادره بالسلام ثم جلس عند فتحة الباب حتى لا يستطيع أخي طرده مرة أخرى قلت لأخي لماذا لا تسلم عليه . الا تخاف الله وعقابه لأنني اعرف قصده وغايته فقلت , هل لأنه معاق . قال سأخبرك فيما بعد لم أصدق إلا عندما شاهدته بنفسي ثم ذهب الى الحديقة الخاصة بالمرضى إذ به يبحث عن سيجارة ليشم رائحتها ويتحسس شكلها حتى وهي منتهية المفعول , بل ليهدأ من روعه ورغبته لإدمانه التدخين والعياذ بالله.وبعد مرور أيام أتيت لزيارة والدي وأنا أمشي بالطريق وإذا به يسحب عباءتي وقبل دخولي الغرفة للزيارة.قلت ماذا تريد ؟ قال أريد خمسة ريالات الله يوفقك.فقت له: ماذا تريد بها؟ قال أعطيها لأمي لأنها مريضة وجائعة , قلت أين هي لأشتري لها أنا: قال لا أنا سوف اشتري لها قلت أين وكيف قال سأتصرف قلت له لو كنت صادقا لأعطيتك المال , قال بصراحة أريد شراء علبة دخان , نصحته بالكف عن الدخان لعواقبه الوخيمة ثم انصرفت عنه ( لأن الدال على الشر كفاعله والعكس)ثم أتت الممرضة وطلبت منه الذهاب الى غرفته والجلوس على السرير لتقوم بتنظيفه رفض بتاتا وقال سوف يأتي أخي لتنظيفي لا أريدك أنت قالت لن ينظفك أحد غيري ولن يأتي احد لزيارتك انت دائما تحلم.ثم سألت الممرضة هل الكلام الذي قلته الآن حقيقة؟قالت نعم منذ ان أتى المستشفى هذا لم يأت احد من أهله لزيارته على مدى خمس سنوات وهو على ما يرى وهذا القول دائما يكرره يوميا , قلت ما سبب إعاقته , قالت: كان موظفا في إحدى الوظائف الحكومية وأثناء ذهابه للعمل حدث له مالم يحمد عقباه حادث مفزع وهذا الذي ادى الى بتر رجله والتفاف يده وأصابعه وليس له علاج ولا اهل يعتنون به بل أصبح معاقا, حقا إنها قصة مؤلمة سبحان الله هل يعقل هذا عندما أصبح معاقا تبرأ أهله منه وهو في أمس الحاجة لهم , بالرغم من انهم نصف العلاج.اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين و الدنيا والآخرة (آمين)الدمام / نوال ابراهيم الجندان