فيصل الفريان , عوضة الزهراني - الجبيل

الجبيل .. مأوى العمال الهاربين

ظاهرة هروب العمالة أصبحت على رأس الأخطار الاقتصادية أكثر من مشاكلها الاجتماعية التي تنتج جرائم جنائية وأخلاقية تطيح بالأمن الاجتماعي ، غير أن عوامل انتشار الظاهرة في الفترة الماضية تعود الى واقع اقتصادي خاص بفئة من المواطنين ارتبطت مصالحها باستقدام هذه العمالة ومن ثم تسريحها مقابل أجر شهري دون أي التزامات نظامية تحفظ حقوق جميع الأطراف وفي مقدمتها حق الدولة ومصلحتها في استقدام العمالة بحسب الحاجة الفعلية والحقيقية لسوق العمل وما فيه صالح المواطن . وتبعا لذلك كثرت محاولات استقصاء هذه الظاهرة وبحث أسبابها الحقيقية وعلاجها لأنها تتسبب في أضرار كبيرة على الاقتصاد الوطني فضلا عن ارتباطها بزيادة معدلات الجريمة خاصة وأنها جريمة بحد ذاتها ، وأصبحت تتعدد أشكالها مؤخرا حيث أصبح الهروب متعمدا بعد أن كان يتم باتفاق بين العامل والكفيل وذلك للبحث عن عمل آخر براتب أكبر كما هو الحال في اتجاه أعداد كبيرة من هذه العمالة للعمل في مشروعات ينبع ( 2 ) والجبيل ( 2 ) التي يقوم فيها المقاولون بتشغيل آلاف العمال برواتب مضاعفة لرواتبهم التي يعملون بها مع تأمين السكن والطعام ولكن دون أية اتفاقيات عدا ذلك ، وعند انتهاء المشروعات يتم الاستغناء عنهم وكأن شيئا لم يكن . وأكدت الدراسة التي أجراها فريق بحثي من وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة ضرورة وضع ضوابط قوية وعقوبات رادعة وفعالة للحد من ظاهرة الاتجار في التأشيرات، مع توعية أفراد المجتمع من خلال مؤسسات المجتمع المختلفة بالآثار السلبية للعمالة الوافدة. وطالبت الدراسة التي دعمتها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بمبلغ 256.600 ألف ريال، الجهات ذات العلاقة بالتدقيق في منح الأفراد تأشيرات الدخول للعمال للتأكد من الحاجة الماسة للشخص في الحصول على عامل، والتأكد من مقدرة الشخص بالقيام بكافة حقوق العامل المعنوية والمادية.وأوصت الدراسة بأهمية العمل على تحديد رواتب العمال بحكم المهن من الجهات المختصة حتى تكون الرواتب موحدة، مع تنسيق الجهود بين الجهات ذات العلاقة بموضوع العمل والعمال للحد من هذه الظاهرة، والتدقيق في نوعية العمال المستقدمين بحيث تكون للمهن التي يحتاج إليها المجتمع. سيناريو الهروبأحد المواطنين الذين دخلوا في تجربة الهروب وهو عبد العزيز محمد الجاسم من الدمام تحدث عن الحالة قائلا : هرب سائقي بعد استقدامي له بفترة بسيطة لا تزيد عن أسبوعين وهذا ثاني سائق يهرب بنفس الطريقة بعد أن خسرت في نقل كفالته مبلغاً وقدره (9500) ريال، وحينما ذهبت للإبلاغ عنه وكان ذلك في يوم الخميس تفاجأت برد الجهة المسؤولة بأن الحاسب لا يعمل في يوم الخميس، وتساءلت لا يعمل في يوم الخميس مع أني لا أصدق ذلك؟ ولكن يبدو أن الموظف (وآسف إن أسأت الظن) لا يريد أن يعمل، ولهذا قال: إن الحاسب لا يعمل، ثم قال أيضا: إن البلاغ أي التعميم يكون عن طريق منافذ المدينة المبلغ منها ومنافذ البلد بما في ذلك مطاراته، وإني أقترح بعد تجربة عايشتها مع هذا السائق، على الجهات المسؤولة عند استقدام العمالة الوافدة أن يكون البلاغ عنها يشمل البنوك في حال هروبها والمستشفيات ونقاط التفتيش المرورية والفنادق والشقق المفروشة وأي مكان يكون صالحاً لسكن هذه العمالة الهاربة، وتوضع شروط على مكاتب الاستقدام فيها حماية لمستقدم العمالة وحفاظا على حقوقه.وبحسب أوزان الضرر بالنسبة للأطراف ذات الصلة بالظاهرة فإن المواطن الكفيل ( غير المتكسب من المتاجرة بالعمالة ) هو الطرف الأضعف وهو الضحية في هذه الأزمة، حيث إنه تحمل التكاليف المالية والمعنوية وما ترتب عليها من إرباك ودخول في دوامة متصلة من الإجراءات والمتابعات والبحث عن حلول مؤقتة ومكلفة وغير مستقرة وقد تكون غير آمنة. ولكن من واقع انتشار الظاهرة فإن بعض المواطنين النظاميين يتحولون إلى مواطنين جشعين حيث يوظفون عمالة هاربة أخرى بهدف حل مشكلتهم ، وهنا يقعون في المحظور إذ أنهم بذلك يشجعون على هروب عمالة أخرى لدى مواطنين آخرين وبذلك يساعدون على تفاقم الأزمة والتي كان قد اكتوى بنارها وتضرر منها ويعتبر الضحية الأولى لها. غير أن الدور الأكثر سلبية هو الذي يقوم به المواطن الذي يوظف العامل الهارب أو السائق الهارب أو العاملة المنزلية الهاربة لحل مشكلته الخاصة، وهو يدفع راتبا أعلى لذلك العامل الهارب ليشجعه على أن يهرب من كفيله ويعمل لديه، وبذلك يضرب بالمصلحة العامة للجميع عرض الحائط. أطراف فاعلةوبالنسبة للعامل الهارب وهو الطرف الفاعل في الأزمة فهو يسعى إلى زيادة دخله ولا يرضى بالراتب الذي جاء بناء عليه، وبما أنه وجد البيئة الخصبة التي تشجعه على الابتزاز والاستغلال وعدم القبول بمستوى الرواتب المعتاد، كما أن العامل يدرك عند هروبه أن أقصى عقوبة له هي القبض عليه وتسفيره إلى بلده، ويمضي بعض الوقت هنالك ومن ثم يعود على كفالة شخص آخر ويهرب مرة أخرى، فمن أمن العقوبة أساء الأدب.أما طرف الأزمة الآخر فهو السفارات التابعة للدول التي تنتمي لها تلك العمالة الهاربة، حيث إن أغلبها تعمل على تسهيل كل الإجراءات لتسفير مواطنيها بغض النظر عن مصالح الأطراف الأخرى، الكفيل والجهات الحكومية المختصة مثلاً. كما أن في بعض الدول يستطيع العامل بكل سهولة أن يحصل على جواز سفر آخر باسم آخر وبمعلومات أخرى. وما يدل على ذلك سرعة رجوعه على كفالة شخص آخر وهو قد تم تسفيره أو في الحالات العادية يتم إعطاؤه تأشيرة خروج وعودة ويعود على كفالة شخص آخر.أما الطرف المهم والذي يتحمل المسؤولية الكبرى تجاه هذه الأزمة هو المديرية العامة للجوازات والجهات الحكومية ذات العلاقة من وزارة العمل والإدارة العامة للوافدين بوزارة الداخلية، حيث إنه مما لا شك فيه أن هناك ثغرات في أنظمة تلك الجهات تستغل من قبل العمالة الهاربة وكذلك المواطن الذي يوظف ذلك العامل الهارب، وقد يكون نتيجة التشدد في إعطاء التأشيرات من مكاتب العمل دون مبرر واضح لذلك التشدد في الكثير من الحالات.
طوفان العمالة فى الجبيل .. الى متى ؟