محمد العلي
النفس هي الجزء غير المادي من الإنسان وهي ما يعبر عنه بعض الفلاسفة (بالجوهر المفكر) هذا اذا لم نعتبر مقولة فلسفية أخرى تعتبر ان تقسيم الإنسان مجرد خيال محض.هذا الجزء غير المادي من الإنسان تمكن معرفته, او الوصول اليه, من خلال نوافذ عديدة, يعرفها الناس, وان كان بعضها من الخفاء بحيث لا يصل اليه إلا من استخدم فكرة بعمق.أولى تلك النوافذ (العيون) ومن له أدنى صلة بالشعر يعرف ان الشعراء, على اختلاف مواهبهم وأجيالهم, كيف جلسوا تحت نوافذ العيون, وامطرونا بقرائحهم عن سحرها, وما تتكلم به صمتا, وانها الجسر المضيىء الى معرفة النفس.والوجه نفسه يمكن اعتباره نافذة من نوافذ الإطلالة على النفس, ففضلا عن كونه يحمل دما ثقيلا او خفيفا, فهو بتغير ملامحه ولونه, يقودك الى الحالة التي عليها النفس من اطمئنان او خوف, من سعادة او شقاء, ومن رضا او سخط, وحتى تلك الوجوه التي تلبس أقنعة من الزيف ومحاولة الخفاء تفضحها ملامحها حتما.من بين النوافذ العديدة للنفس, والتي تشكل سربا طويلا, نافذة واحدة, سقت من أجلها هذا الحديث, وهي نافذة (اللغة) فاللغة مسموعة او مقروءة, من أهم نوافذ النفس على الإطلاق, وهذا ما يوحي به تعريف ديكارت للنفس بانها (الجوهر المفكر) فاذا كان الفكر لا يمكن ان يعرف إلا باللغة فهي اذن أهم النوافذ. ولعل هذا هو الأساس لتعريف الإنسان بانه حيوان ناطق, أي انه كائن لغوي.نصل من هذه الفكرة الى فكرة أهم: وهي ان من يحاول منعك من اللغة من (التعبير الحر) يحاول في الوقت نفسه القضاء على جوهرك الإنساني, يحاول ان يطمس الفرق الشاسع بينك وبين الحجر, او أي حيوان أعجم.اللغة المفروضة او (التعبير غير الحر) نافذة مغلقة, نافذة مظلمة لا توصل الى نفس, ولا تطل منها نفس, هي درب مغلق تخلى عن وظيفته الطبيعية, وهي اشراق النفس, ورؤية الآخرين لها.هل تود الإطالة في موضوع (نوافذ النفس؟) أظن ان ما تقدم يكفي. ولكن لا بد من عودة إليه قربيا.