محمد الحرز
للوهلة الأولى التي قبلت فيها الدخول للنادي الأدبي كواحد من أعضاء مجلس إدارته كانت قناعتي التي حاولت الرهان عليها تقول : الحوار جزء من البناء الثقافي للمجتمع, وربما الجزء الأهم الذي تتحدد من خلاله السمات العامة لطبيعة الاختلاف الثقافي بين فئاته وأفراده. وكل مجتمع يتمايز عن غيره من المجتمعات هو مشروط, على الأرجح, بدرجة وعيه بهذا الاختلاف, وكم كنت مدركا تماما أن مجتمعنا السعودي فيه من التنوع الثقافي( القبلي والطائفي والإيديولوجي وما يشتق منها من عادات وتقاليد ومواقف وطقوس وممارسات اجتماعية) الذي يحتم علينا نحن أبناءه أن نقرأ تاريخ اختلافنا من خلال آلية الحوار. لا سيّما وأن الخصائص الجغرافية والتاريخية للبلد هي إحدى أهم مصادر غنى هذا التنوع واختلافه التي لا زالت تؤثر فيه من العمق.وليس أجدر من يقوم بمهمة هذه القراءة سوى مؤسساتنا الثقافية والأدبية التي أرى ركيزتها الأساسية تعتمد على الشروع في هذه القراءة. لكن نتساءل هنا عن آلية الحوار التي نعنيها هنا؟ وهي بالدرجة الأولى ممارسة وتجربة وليست مجرد شعار نرفعه, وكلام نقوله.هي ممارسة مقصودة في حد ذاتها, أي ممارسة من خلالها نتحاور لأجل الحوار ذاته, أي لأجل أن نفهم طبيعة اختلافنا , وطبيعة النظر والتفكير اللذان يسيطران على عقولنا, كي نتحرر- من جملة ما نتحرر منه ولو جزئيا- من الشعور بالقلق والخوف والمرض الأخلاقي كالحقد والإقصاء وعدم الثقة والاقتراب من الآخر المختلف مهما كانت إيديولوجيته.أما ما لا نعنيه هنا فهو الحوار العفوي- إذا جازت هذه التسمية- الذي يمثل أحد السمات الكبرى للاجتماع الإنساني عبر التاريخ وطبيعته القائمة. وسؤالي هنا هل يعي حراس الفضيلة طبيعة هذه الآلية وأهمية اشتغالها على مستوى التفكير والنظر والعمل والاجتماع والقيم؟ البعض يعيها كشعار فقط . لكن ممارسته خلاف ذلك. والبعض منهم لا شعارا ولا ممارسة, والبعض الآخر هو منخرط في مشروعه الإيديولوجي الدعوي الذي يُؤمّن له أكبر قدر ممكن من الأتباع والمريدين. وتحت شعار الحفاظ على أصالة المجتمع الإسلامية, وصون أخلاقياته من الانحراف, وحمايته من الأفكار» الفاسدة» عند الآخرين ,تجري الوصاية على المجتمع نفسه باعتبارها تنفيذا لإرادة الحقيقة المطلقة التي يمتلكها هؤلاء فقط. وكذلك تجري سياسة الإقصاء بطرق شتى يمكن استثمارها في المزيد من جذب وترويج تلك الشعارات الفارغة. هذه القناعة التي ظللت أعطيها المبررات المنطقية كي تعمل وتنهض , يبدو لي لن تصمد أمام مطرقة هؤلاء الحراس.ولأنهم من طبعهم متيقظون وحذرون فإنهم يرصدون حتى الهواء الذي يعبر أمامك. الهويات هي هاجسهم الأكبر وليست المعرفة وهمومها, يدققون عليها كما يدققون على قطعة ذهب في أيديهم. هكذا هو الوضع الذي بدأت ملامحه تظهر على السطح فيما يتصل بالأنشطة الثقافية والأدبية للنادي الأدبي. لكنه وضع دائما ما يغلف بحجج واهية, من قبيل أننا في الاحساء مجتمع على درجة كبيرة من المحافظة والتقليدية, وينبغي علينا مراعاة هذا الأمر, وعدم المساس به , بأية صورة كانت. ولكن حين ندقق في هذه الفكرة التي كثيرا ما تتردد على الألسن بسبب أو بدونه, لمصلحة معينة أو غاية, فإننا نتساءل هنا من الذي يحدد مفهوم المحافظة بإزاء مفهوم الانفتاح ؟ أليس حراس الفضيلة هم الذين يحتكرون هذا المفهوم , وبالتالي يحتكرون معناه من خلال شحنه وتغذيته بمرجعياتهم الثقافية التي تلقوها في نظامهم التربوي التلقيني, ولا يجر معنى آخر لهذا المفهوم في أفق تفكيرهم لأن المنطق الأحادي لتفكيرهم هو الذي يتسيد الموقف والرؤيا عندهم , وعليه يصعب قبولهم أن مفهوم المحافظة وقيمته عند فئة من الناس هو غيره عند فئة أخرى.ناهيك عن أن واقع الحال الذي نعيشه يخبرنا أن كل فرد داخل المجتمع يعتبر نفسه محافظا بصورة أو بأخرى, لأنه بكل بساطة نجد أن أغلب أبناء المجتمع يمارسون حياتهم اليومية وعاداتهم وتقاليدهم وعقائدهم وفق الموروث التربوي الذي تلقوه من جهة , ووفق المصالح المعيشية المتبادلة التي تفرضها العلاقات الاجتماعية عليهم من جهة أخرى, ومن خلال هذين الاتجاهين تتعزز قيم اجتماعية عليا تكون وظيفتها الأساسية الحفاظ على قدر كبير من تماسك المجتمع ووحدته , وليست قيمة المحافظة بتعدد أشكالها ومظاهرها سوى إحدى هذه القيم العليا التي يمارسها أغلب الناس دون وعي منهم. هذه هي طبيعة القيم التي ترتبط بمفهوم المحافظة عند كل المجتمعات , ومجتمعنا لا أظنه يشذ عن هذا الفهم الذي طرحته العلوم الإنسانية الاجتماعية وبنت عليه نظرياتها المتعددة رغم الأزمة المعرفية التي تغذيها مفارقات المنهج والواقع. لكنّ المشكلة من أين تبدأ ؟ هي تبدأ في تصوري عندما تفرض فئة من الناس الخطوط العامة والحدود التي لا ينبغي على بقية المجتمع تخطيها أو تجاوزها, حيث تسمي هذه الحدود محافظة , لكنه في حقيقة الأمر نوع من إقصاء حرية التعبير يتم بواسطة سلطة خطابهم وقوته. أقول هذا الكلام وأنا أدرك تماما أن هناك في ساحتنا الثقافية خطابات ثقافية متنوعة جميعها تعلي من شأن الحوار وترحب بالتنوع والاختلاف والتعدد في التوجه والخيارات الفكرية التي يتبناها الفرد لكني لا زلت متوجسا أن يبقى ذلك في إطاره النظري بفعل تجربة النادي مع هؤلاء الحراس.Mohmed_z.hotmail.com