صحيفة اليوم

مشوار وتجربة

اذا كانت المواقف الصعبة تضيء النفوس وتقوي العزائم وتصنع الرجال، فقد تعرض عبدالله بن راشد الرزيحان الى موقفين لايغادران ذاكرته أبدا.. يتذكر ليلة امضاها في جوف الصحراء وهو طفل صغير.. كانت عائلته تتجه من الاحساء الى (الخرج) على ظهور الجمال وفي الطريق أناخوا ابلهم وتوقفوا لصلاة الفجر فنزل من على ظهر الجمل ونام على الارض ثم تحركت القافلة من دونه وظنوه نائما فوق ظهر الجمل وبعد ساعات طويلة اكتشفوا غيابه فرجعوا ادراجهم ووجدوه لايزال نائما في نفس المكان الذي تركوه فيه.. ويتذكر حين كان يعمل في الميناء ويركب القطار من الدمام الى الميناء وفي احدى المرات تحرك القطار قبل ان يركب وظل يجري وراءه ليلحق به فاصطدم بمحول القطار سنتمترات قليلة وصاح الركاب على السائق فتوقف وخرج من تحت القطار وهو لايكاد يصدق انه نجا.. يتذكر عبدالله الرزيحان هذين الموقفين - ومواقف اخرى كثيرة - فتعلو شفتيه ابتسامة الرضا ويسترجع على خلفيتهما قول الشاعر :==1==وإذا العناية لاحظتك عيونها==0====0==نم فالمخاوف كلهن أمـــان==2==في الاحساء ولد عبدالله الرزيحان، وفيها تلقى العلم على يدى والده الذي كان معلما للقرآن الكريم، ثم في مدرسة هجر الاميرية قبل ان ينتقل مع الاسرة الى الرياض ثم الى الخرج التي تتشابه - في طبيعتها الزراعية - مع الاحساء.في القصور الملكية عمل عبدالله الرزيحان مراقب مزارع، وتولى تحرير المحاضر للشيخ صالح الرويس المشرف على مزارع الخرج، الى ان اعجب بأدائه مدير مالية الخرج وأرسله للعمل في ادارة الجمارك بالمنطقة الشرقية.في ثلاثة ايام، قطع عبدالله الرزيحان المسافة بين الرياض وبين الدمام.. كانت وسيلة المواصلات سيارة لوري كبيرة تحمل ركابها تارة وتغوص في الرمل فيحملها ركابها تارة أخرى.في الجمارك عين على درجة ملازم وعمل مقيد صادر ووارد ثم كاتب شفرة وبرقيات ثم محرر اول ثم نقل الى امين صندوق جمرك الخبر وكان هو الميناء الرئيسي الذي ترد اليه اغلب البضائع، ثم عمل محاسب لوائح في تفتيش جمارك الدمام ثم عين مفتشا جمركيا ونقل الى تفتيش جمارك الرياض وكان عدد المفتشين لايزيد على سبعة على مستوى المملكة وكانت الحركة التجارية بسيطة وكان التجار يعدون على الاصابع ثم عاد الى الشرقية مفتشا على جمارك المنطقة ثم فضل التقاعد المبكر على تنفيذ قرار نقله الى الشمال لان اولاده كبروا وصداقاته توسعت وتشعبت وعلاقاته متميزة مع التجار والمراجعين وهو ما أفاده فيما بعد حين اتجه للعمل الخاص.بدأت قصة عبدالله الرزيحان مع العمل الحر حين بنى مسكنا خاصا بالدمام بعد خروجه الى المعاش، ثم عرض عليه احد موظفي ارامكو شراءه فباعه وربح ربحا جيدا ، فبنى بيتا آخر وباعه بربح لايقل عن ربح البيت الاول ، واستمر الحال على هذا المنوال يبني ويبيع ويشتري مواد البناء بالتقسيط ثم اذا باع المبنى سددها مرة واحدة ثم فتح مكتبا عقاريا وكانت المكاتب - في ذلك الوقت - تعد على اصابع اليد الواحدة.وحينما جاءت الطفرة كانت الارباح خيالية وكان من يشتري قطعة الارض في الصباح يبيعها في المساء او في صباح اليوم التالي بربح وفير وطرحت المساهمات العقارية وساهم فيها واستمرت هذه الفترة الى ان تشبع السوق وهبطت اسعار النفط العالمية وانخفضت المداخيل وبدأ العقار هبوطه بنفس مستوى ارتفاعه وحددت هذه الفترة مصير كل من تعامل معها والذي تعامل معها بحرص حافظ على نفسه وعلى ما حقق من أرباح والذي فرط في التعامل معها خسر كثيرا وعاد كما بدأ او اقل. لم يتأثر عبدالله الرزيحان بهذا التغيير كثيرا فقد كان يشتري ويبيع ولايحتفظ الا بالأرض التي سيبنى عليها وبدأ - بالتدريج - ينتقل من العقار الى التجارة، وينوع النشاط الواحد الى انشطة متعددة ، وبدأ بتجارة المفروشات وحقق ارباحا جيدة، ثم تجارة العطور ومستلزمات الزينة، ثم الاستيراد حيث كان يستورد أكياس البلاستيك من سنغافورة ثم التجارة في السيارات الامريكية المستعملة، ثم اتجه الى التصنيع وأنشأ مصنعا صغيرا لتصنيع الاثاث حسب الطلب. وفي الفترة الاولى كان الاثاث المستورد هو المرغوب، وكان يستورد الاثاث من ايطاليا لجودته ولمهارة الايطاليين في صنعه وترويجه ، وبعد ذلك اصبح الاثاث الوطني هو المرغوب. وحاول عبدالله الرزيحان ان يدخل مجال الاستثمار الزراعي واشترى مزرعة في القطيف على مساحة 25 ألف متر ولكنه باعها لعدم جدواها اقتصاديا. ويحب عبدالله الرزيحان الرياضة. وبدأت ميوله اليها تظهر منذ شبابه المبكر. وكان عضوا في مجلس ادارة نادي النهضة لمدة 22 عاما ثم رئيسا للنادي 5 سنوات وكان الاعضاء واللاعبون والتجار الاعضاء يساهمون في دعم النادي ولا يرى لتجارة العقار مردودا كبيرا على الاقتصاد الوطني فهي لاتمثل قيمة مضافة له او توجد فرصا وظيفية كبيرة. ويرى ان سوق العقار يتمتع الآن باستقرار نسبي ويقترح ان ينظم هذا القطاع الحيوي وتكون له سوق محل سوق الاسهم.ويرى ان القطاع الخاص مطالب باداء دور اكبر تأثيرا في مسيرة التنمية بشرط ان يضطلع بمسئولياته ويتجه الى القطاعات المنتجة فالدولة اعطته الفرصة ليعمل بكل حرية وهيأت له المناخات المواتية لينمي رأسماله وجهزت له البنية الاساسية التي تعتبر الركيزة الاساسية للاستثمار. ويرى ان اقامة المدن الصناعية ضرورة بشرط ان تكون الى جوار التجمعات السكنية لتساعد على ايجاد فرص وظيفية جديدة وتحد من الهجرة الى المدن الكبيرة ، اما المدن القديمة فيجب اعادة تأهيل بنيتها الاهلية بمشاركة القطاع الخاص. وحول ازدياد عدد المجمعات التجارية يقول ان انشاءها بهذه الكثافة اثر سلبا على نسبة الاشغال ومن ثم على استرداد رأس المال وعلى الذين يفكرون في الاستثمار في هذا المجال ان يبحثوا عن مجالات اخرى اكثر ربحية. وحول تحويل المؤسسات الفردية الى شركات مساهمة يرى انه امر حيوي، اذا ساهم في استمرارية المؤسسة واعطاها قوة مالية كبيرة.وينصح رجال الاعمال الجدد بالاتجاه الى المجالات ذات الجدوى الاقتصادية وان يركزوا على الصناعة خصوصا الصناعات التي لاتنتجها المملكة او التي تتمتع بميزة نسبية تجعلها قادرة على المنافسة في السوق العالمية.