سأفتتح المقالة بسؤالين، ثم ستكون الإجابة عنهما هي الغاية والهدف من العنوان، وليعذرني القارئ - في هذه المقالة الاستثنائية فقط - إذا ما جاء كلامي مسيجا بالتنظير، فطبيعة المقاربة تتطلب التجريد. السؤال الأول: ماذا نعني بمصطلح الفهم؟ السؤال الثاني: ما هو العالم الذي نشير إليه؟. ولكي نجيب على هذين السؤالين ينبغي العودة إلى الجدل الذي قام بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية في سياق تاريخ المعرفة. فقد كان للمنهج التجريبي والاستقرائي أثر بصورة واضحة على دراسة الظواهر في علم الاجتماع.
وفي هذا الإطار حاولت المدرسة الوضعية في علم الاجتماع (أوغست كونت) تطبيق المنهج التجريبي السببي المنطقي على الظاهرة الإنسانية في الاجتماع والثقافة والسياسة والاقتصاد بهدف الوصول إلى الموضوعية، ومن ثم استخلاص القوانين الثابتة كما هو عليه الحال في الظواهر الطبيعية في العالم. لكنه تم الاعتراض على هذا التوجه في تفسير الظواهر الإنسانية انطلاقا من العلوم التجريبية. وهناك ثلاثة علماء مؤثرون في رسم حدود المنهج السسيولوجي في الدراسات.. الأول: فيلهم دلتاي، الثاني: ماكس فيبر، الثالث: كلود ليفي شتروس. هؤلاء الثلاثة اتفقوا على أن الظاهرة الإنسانية في أبعادها المختلفة لا يمكن الإحاطة بها في كليتها من خلال المراقبة والملاحظة وربط الأسباب بالنتائج، ومقارنة الوقائع المتشابهة في استقراء يؤدي إلى استخلاص قوانين ثابتة كما في الظواهر الفيزيائية، فالإنسان في سيرورة دائمة ويصعب التنبؤ بأفعاله وسلوكه. لذلك تبنى (دلتاي) مقولة الفهم بدل التفسير، وقال: «إننا نفسر الطبيعة ونفهم الإنسان». فدراسة الظاهرة الإنسانية ينبغي أن تخضع لمنهج الفهم والتأويل حيث «يقوم هذا المنهج على إدراك المقاصد والنوايا والغايات التي تصاحب الفعل والتي تتحد بالقيم التي توجهه. ويتم النفاذ إلى هذه الدلالات بواسطة التأويل. وهنا تحضر الذات بقوة في عملية الفهم والتأويل كذات عارفة. لكنها في نفس الوقت كذات متعاطفة ومتوحدة ومشاركة ومتفهمة لموضوعها». وقد سمى دلتاي التاريخ والثقافة وعلم الاجتماع بعلوم الروح التي تندرج تحت منهج الفهم التأويلي. بينما عالم الاجتماع (ماكس فيبر) بخلاف استاذه (دلتاي) الذي فصل بين المنهجين، حيث أبقى على علاقة بينهما لأنه حسب رأيه لا يمكن الاستغناء عن التفسير السببي في دراسة الظواهر الاجتماعية.
خلاصة التحليل مع مصطلح الفهم هو أولا: عملية الفهم هي فردية بالدرجة الأولى وتتطلب قدرة فلسفية ولغوية وتاريخية على استيعاب الظاهرة الإنسانية في أبعادها التاريخية والاجتماعية والثقافية. وعليه – ثانيا: يتضح أن العالم الذي نعنيه هنا ليس سوى الإنسان باعتباره ظاهرة تاريخية وثقافية وسياسية ودينية، ظاهرة تتفاعل مع مكونات الطبيعة المختلفة، وتتسع في حركتها كلما توغلنا في الزمن. أما ثالثا: فهو الأهم إذ يتيح الفرصة للقول عن الإمكانية التي يوفرها منهج الفهم التأويلي للباحث إذا ما أراد أن يفهم الإنسان في سلوكه الفردي والاجتماعي والظواهر المحيطة به، سلاحه الحرية والاستبصار والإدراك المباشر والخبرة المعرفية.
mohmed_z@hotmail.com
وفي هذا الإطار حاولت المدرسة الوضعية في علم الاجتماع (أوغست كونت) تطبيق المنهج التجريبي السببي المنطقي على الظاهرة الإنسانية في الاجتماع والثقافة والسياسة والاقتصاد بهدف الوصول إلى الموضوعية، ومن ثم استخلاص القوانين الثابتة كما هو عليه الحال في الظواهر الطبيعية في العالم. لكنه تم الاعتراض على هذا التوجه في تفسير الظواهر الإنسانية انطلاقا من العلوم التجريبية. وهناك ثلاثة علماء مؤثرون في رسم حدود المنهج السسيولوجي في الدراسات.. الأول: فيلهم دلتاي، الثاني: ماكس فيبر، الثالث: كلود ليفي شتروس. هؤلاء الثلاثة اتفقوا على أن الظاهرة الإنسانية في أبعادها المختلفة لا يمكن الإحاطة بها في كليتها من خلال المراقبة والملاحظة وربط الأسباب بالنتائج، ومقارنة الوقائع المتشابهة في استقراء يؤدي إلى استخلاص قوانين ثابتة كما في الظواهر الفيزيائية، فالإنسان في سيرورة دائمة ويصعب التنبؤ بأفعاله وسلوكه. لذلك تبنى (دلتاي) مقولة الفهم بدل التفسير، وقال: «إننا نفسر الطبيعة ونفهم الإنسان». فدراسة الظاهرة الإنسانية ينبغي أن تخضع لمنهج الفهم والتأويل حيث «يقوم هذا المنهج على إدراك المقاصد والنوايا والغايات التي تصاحب الفعل والتي تتحد بالقيم التي توجهه. ويتم النفاذ إلى هذه الدلالات بواسطة التأويل. وهنا تحضر الذات بقوة في عملية الفهم والتأويل كذات عارفة. لكنها في نفس الوقت كذات متعاطفة ومتوحدة ومشاركة ومتفهمة لموضوعها». وقد سمى دلتاي التاريخ والثقافة وعلم الاجتماع بعلوم الروح التي تندرج تحت منهج الفهم التأويلي. بينما عالم الاجتماع (ماكس فيبر) بخلاف استاذه (دلتاي) الذي فصل بين المنهجين، حيث أبقى على علاقة بينهما لأنه حسب رأيه لا يمكن الاستغناء عن التفسير السببي في دراسة الظواهر الاجتماعية.
خلاصة التحليل مع مصطلح الفهم هو أولا: عملية الفهم هي فردية بالدرجة الأولى وتتطلب قدرة فلسفية ولغوية وتاريخية على استيعاب الظاهرة الإنسانية في أبعادها التاريخية والاجتماعية والثقافية. وعليه – ثانيا: يتضح أن العالم الذي نعنيه هنا ليس سوى الإنسان باعتباره ظاهرة تاريخية وثقافية وسياسية ودينية، ظاهرة تتفاعل مع مكونات الطبيعة المختلفة، وتتسع في حركتها كلما توغلنا في الزمن. أما ثالثا: فهو الأهم إذ يتيح الفرصة للقول عن الإمكانية التي يوفرها منهج الفهم التأويلي للباحث إذا ما أراد أن يفهم الإنسان في سلوكه الفردي والاجتماعي والظواهر المحيطة به، سلاحه الحرية والاستبصار والإدراك المباشر والخبرة المعرفية.
mohmed_z@hotmail.com