القاهرة - مكتب اليوم: ياسر سليم

د. صلاح رزق: 'الطلقة' مهمة لبقاء القصة في عصر الثرثرة الحالي

كلما تطورت وسائل امتاع الانسان وشغل وقت فراغه ازداد قلق المبدعين والنقاد على مستقبل الادب المكتوب بشكل عام وهم يرون تقلص نسبة توزيع كتب الادب وروايات كبار الكتاب وقصص القصاصين العظماء واشعار الشعراء الفطاحل، ويكفي ان نعلم ان متوسط توزيع روايات اديب بحجم نجيب محفوظ تبلغ ثلاثة الاف نسخة فقط.هذا القلق، دفع المهتمين بالقصة القصيرة الى عقد ندوتهم الموسعة باتحاد الكتاب هذا الاسبوع والتي حملت عنواناً وصفه الناقد الدكتور صلاح رزق بالعنوان الرسمي وهو مستقبل القصة القصيرة، رغم انها تنعقد تحت مظلة كيان غير رسمي وهو اتحاد الكتاب مشيراً الى ان المنتديات التي عقدت تحت مظلات رسمية لم تسلم من المعايب. واضاف الناقد الادبي المعروف واستاذ الادب بجامعة القاهرة في الندوة التي ادارها الاديب فؤاد قنديل ان فكرة القلق العام تجاه شكل المستقبل جديرة بالاعتبار خاصة اذا وضعنا في الاذهان الايقاع السريع للحياة، وهو ما يفرض على المثقف الذي يضج عقله بكل ما يتلقاه ان يقدم ما يمكن تسميته بالملمح الخصوصي او المهمة التنويرية. وتوصل الناقد من هذا الى نتيجة مفادها انه ينبغي على كاتب القصة القصيرة ان يوفق بين الهم الفردي الذي لا يمكن نفيه والهم الجمعي الذي يعد ضرورة ورسالة اضافة الى خصوصية اللغة وتكمن الاشكالية هنا في نسج ما هو فردي بما هو جمعي مع بصمة فردية تميز مبدعاً عن اخر.الطلقة مطلوبةاضاف رزق ان المواصفات القديمة للقصة مثل الطلقة هي الاكثر مناسبة في زمن جرى فيه الترخص في الثرثرة وعدم الخجل من تكرار الكلام والاستفاضة حول قضية من القضايا استهلكت بحثاً وقتلت كلاماً، مشيراً الى ان الرؤية المتشائمة ربما لن تكون عامل جذب لقرائها، فمساحة الفساد كبيرة ودور القصة هو اضاءة شمعة.وحذر استاذ القصة بجامعة القاهرة من ان تتحول الكتابة لدى البعض الى طقس فردي مؤكداً ان جزءاً من جماليات ما هو جميل استشعار مشاركة الاخرين فيه، غير ان ذلك لا يجب ان يؤثر على قضية ان يصدق الكاتب نفسه وان يكون ذاته، مشيراً الى ان البعد الانساني الذي طغى على القصص المبكرة تبرز الحاجة اليه بشدة هذه الاونة.شكل غنائيوأشار الناقد الدكتور صلاح السروي الى دراسة كان قد اجراها حول القصة القصيرة وذكر مقولة لو كاتشي التي قال فيها ان الرواية هي ملحمة العصر الحديث، واعتبر البعض فيما بعد ان القصة اذن مجرد بواقيا للرواية، والحقيقة كما يؤكد الناقد هي ان القصة القصيرة شكل غنائي يقوم على انتقاء شريحة او زاوية من الحياة وتواجه فيها الذات الموضوع بطريقة اكثر هيمنة، فالذاتية الخاصة التي ينطلق منها القاص تأخذ شريحة وتمنحها حياة مستقلة، محورها الرئيسي الغنائية التي تختلف عن الاشكال الغنائية الملحمية. واضاف ان ارتباط القصة القصيرة بالغنائية لم يتوقف عند هذا الحد بل ارتبط ايضاً بالدرامية كصيغة ادبية وليست نوعاً مستقلاً، مشيراً في هذا الصدد الى مقولة شكري عياد بان قوة الاحساس بالدراما والشعر هي اظهر ما في القصة القصيرة وقال ان القصة في حقيقتها تعد شكلاً هجيناً مختلفاً بذلك عما يراه اوكونور واخينياو، واضاف انها ترتبط باصول سردية قديمة.وأوضح السروي ان ملحمية القصة تأتي من اسمها وارتكازها على الذات فضلاً عن ان كلمة قصيرة تعني احساساً بالشعر، فمجموعة التقينات الموجودة في القصة كلها عناصر تتوافر للصيغتين الملحمية والدرامية وهو ما يدعو للقول انها فن هجين جرى ابتعاثه لتلبية احتياجات مجتمعية ايديولوجية محدودة، وليست كما قال شكري عياد، مرتبطة ببروز البرجوازية، فنحن بازاء تناوبات في الازدهار والانطفاء النسبي للتعبير عن الواقع، مؤكداً اجماع الكثيرين على ان تدفق المعلومات وانهيار ما يسمى بالسرديات يمكن ان ينسج مجالاً اكبر للقصة القصيرة.مستقبل بالغ القوةويرى السروي ان النوع القصصي في السنوات العشرين الاخيرة اتخذ اتجاهين احدهما افقي وتم خلاله تبادل الادوار مع الرواية وتداخل معه أحياناً وضرب مثالاً على ذلك برواية منحنى الفهم للبساطي التي ضمنها قصصاً قديمة له كفصول بالرواية، وهو ما كان قد فعله الاديب فوكنر في روايته (اهبط يا موسى) وهو ما يعني ان القصة نتيجة لان تكون بديلاً للرواية او العكس بدليل قيام العديد من كتاب القصة الى كتابة الرواية في الثمانينات والعكس.اما على المستوى الرأسي فلاحظ السروي منحيين من اشكال التهجين مع الشعر الامر الذي يبدو فيه اختلاط التتابع الزمني الذي تقوم عليه القصة بالتتابع الكيفي الذي يقوم عليه الشعر وهناك منحى اخر وهو التهجين مع عناصر السينما. وخلص الدكتور صلاح السروي الى ان للقصة مستقبلاً بالغ القوة اذا اخذنا في الاعتبار مقولة لوكاتشي وشكري عياد فيما يتعلق بتناسبها مع الواقع البرجوازي.