سعدي العنيزي

ابتلينا في هذا العصر وخاصة في السنوات الأخيرة بعد انتشار الشبكة العنكبوتية (الانترنت) بما يسمى بوسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر والفيس بوك واليوتيوب والسناب شات والانستغرام وغيرها. وباتت هذه الوسائل هي موضة المجتمعات المعاصرة وخاصة فئة الشباب والفتيات بل حتى صغار السن من الأطفال الذين لم يبلغوا سن المراهقة، وما أسهل التسجيل والاشتراك في هذه الوسائل لدرجة أن الشخص الواحد بإمكانه أن يسجل بأكثر من معرّف واحد في إحدى هذه الوسائل، وما أن يزداد عدد المتابعين (Followers) لهذا الشاب أو تلك الفتاة ويصبح بالآلاف أو الملايين حتى تتبناه الشركة أو المؤسسة لهذه الوسيلة أو تلك من وسائل التواصل الاجتماعي لكي تنشر الدعايات والمواد الإعلانية للشركات والمؤسسات المتعاقدة معها لترويج بضاعتها ومنتجاتها الخاصة بها، وتستقطع جزءًا من هذه الأرباح لتعطيه إلى هؤلاء الذين باتوا من المشاهير في استخدام هذه الوسائل بين ليلة وضحاها، لدرجة أن بعضهم بات من الأغنياء بسبب انتشاره وزيادة متابعيه في هذه الوسائل.

وعند متابعتك ما يطرحه ويروجه هؤلاء من مواد ومن أفعال وأقوال تجده غالبًا أن لا قيمة ولا معنى له، ويدل على سطحية وتفاهة ما ينشرونه إلا ما ندر، هذا ما شاهدناه مثلًا مؤخرًا من انتشار مقطع غنائي راقص بسيط أمام سيارة تتحرك ببطء عُرف باسم «كيكي»، وانتشر مثل النار في الهشيم وحصد الملايين من الاعجاب بسبب انتشاره بعد أن حاز على نفس كمية هذا الانتشار والاعجاب العام الماضي مقطع لا معنى له عُرف بتحدي سكب إناء مليء بالماء والثلج على الرأس. والمشكلة والمحزن في هذا الموضوع هو انتشار هذه المواد السطحية والتافهة على نطاق واسع في مجتمعاتنا وباتت تشكل الخلفية المعرفية لهؤلاء الشباب والفتيات، وأضحت هذه المواد ومتابعتها يوميًا هي المخزون المعرفي والثقافي لهم، وبدل أن يكون الكتاب رفيق درب هؤلاء الشباب والفتيات باتت هذه الوسيلة من وسائل التواصل أو تلك رفيقة لهم وبسبب هوس هؤلاء بهذه الوسائل وإدمانهم عليها لم يجدوا الوقت الكافي أو حتى لم يفكروا في مطالعة كتاب واحد في حياتهم، لذلك تجد معظم هؤلاء سطحيي الثقافة إلا ما ندر منهم كما ذكرنا. والمؤسف أن هذا النادر والجيد لا تجد من يتابعه إلا القليل من المتابعين. ولأن هذه الوسائل هدفها تجاري وربحي في الأساس فهي لا تعبأ بما ينشر من محتوى من خلالها، همها الأول أن يزداد لدى المشترك عدد المتابعين لكي يزداد اشتراك عدد الشركات والمؤسسات المتعاقدة معها لتزداد أرباحها، لهذا السبب نجد ان قيمة اسهم هذه الوسائل مرتفعة جداً في السوق العالمي لدرجة أن قيمة بعضها يقدر بالمليارات من الدولارات.

لا ننكر ان هناك بعض الجوانب الإيجابية لبعض هذه الوسائل مثل التعليم عن بعد وترويج ثقافة الكتاب، ولكني أعتقد ان جوانبها السلبية طغت على جوانبها الإيجابية.