محمد الحربي

بادرت الدول الكبرى بشكل غير معلن بعد الحرب العالمية الثانية إلى تجنب الحروب الجماعية، لما لها من تكلفة باهظة الثمن على حياة البشرية سياسيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا، حيث دفعت هذه الحرب الجميع إلى أخذ كل الاحتياطات لتجنب أي حروب مدمرة قادمة، والتي قادت بالفعل إلى تأسيس الأحلاف العسكرية الشهيرة والتي قضت على الحروب الجماعية بشكل نهائي.

وبما أن رغبة السيطرة والهيمنة مازالت تسكن في أوليات الدول العظمى فقد تم استحداث العديد من أصناف الحروب غير التقليدية من خلال استخدام سياسة الحرب بالوكالة أو دفع المنظمات الإرهابية إلى القيام بنفس المهام. ومع تطور أساليب الحروب فقد طغت في الفترة الأخيرة ظاهرة الحروب الاقتصادية بين الدول سواء بالخفاء أو بالعلن. وهو نهج ليس حديثا لكنه أصبح ملاحظا بنسبة أكبر واتخذ أشكالا عدة، منها الحصار الاقتصادي ومنها الإغراق وتخفيض قيمة العملة المحلية أو فرض الرسوم الجمركية.

واليوم الجميع يضع يده على قلبه لما ستنتج عنه المشاحنات بين الولايات المتحدة والصين لما يمثلان من ثقل اقتصادي حول العالم. حيث يرغب كل طرف في السيطرة على الأسواق الدولية والوصول إلى أكبر شريحة من العملاء بأقل التكاليف. كما أن نجاح أي طرف سيقود للتأثير سلبا على الطرف الآخر وهو الأمر الذي تحاول تجنبه كلتا الدولتين.

وقد وصلت الحرب الاقتصادية بينهما إلى مرحلة كسر العظم والتي قد تصل إلى نقطة اللاعودة، وهي مرحلة قد تستقطب حلفاء آخرين، وهو ما دفع مفوضية التجارة الأوروبية إلى دعوة كافة الأطراف لالتزام التهدئة تجنبا لأي آثار تنهك الاقتصاد العالمي. وتجنبا لكساد يوازي ما سمي بـ (الكساد العظيم) في ثلاثينيات القرن الماضي والذي نتج عن سلوك الحماية الأمريكي وإقرار ضرائب على البضائع والمنتجات غير الأمريكية من خلال إقرار قانون سموت هاولي.