السياسة نشاط بشري يمارسه الأحياء الذين سيكفون عن ممارسة كل شيء يومًا ما، عندما يغادرون هذه الحياة عبر بوابة الموت التي لا تغلق أبوابها، ويدخلها الناس في زمان ومكان لا يعلمه إلا الله «سبحانه وتعالى»، أعتذر للقراء أن بدأت الحديث عن الموت، هذه الحقيقة التي لا مفر منها، وآمل أن يلتمسوا لي العذر؛ لأنني بدأت الكتابة وخبر وفاة أحد الأعزاء يسيطر على كل شيء فيّ، «أبو نوَّاف» رجل عاش آخر أيامه في معاناة مع الأعراض الخطيرة لمرض السكري اللعين، قابلته قبل أشهر في مناسبة حزينة مع الأسف، هي عزاء قريب مشترك، دخل مكان العزاء يحمل جسده النحيل على عكازين، وبعد أن استقر في مكانه ذهبت إليه وجلست بجواره، كان دائمًا يطيل الإمساك بيدي بين يديه، ويعيد عليّ قصص الطفولة عندما كنا نلعب بحبور في أزقة مدينة الخبر قبل عقود.
رحمك الله يا محمد الشهري، بكيتك بألم، وبدموع حارة، مع أني لا أتذكر منك إلا الفرح والروح المحبة دومًا، ولومك المستمر لي بأني أصبحت كثير الغياب، وأن السياسة والكتابة حولها أخذتني ممن أحبهم.
ويتواصل الحديث والذكريات حول السياسة والموت، ويُعيدني إلى قصة حدثت في العام 2003 بمدينة جنيف السويسرية، حيث عقدت إحدى المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة لقاءات ثقافية بين أتباع الديانات الكبرى في العالم، ووقع اختيار المنظمين على أكاديمي سويسري من أصول عربية هو برفيسور في اللغات المقارنة، وفضّل الرجل العودة إلى المركز الإسلامي في مدينة جنيف للاستنارة برأي القائمين عليه حول اختيار الموضوع الذي يقدّمه، وأثناء زيارته المركز صادف وجودي هناك، وتحدثنا على عجل، وأخبرني بالأمر، وسألني عن موضوع قد يكون مناسبًا للقاء الثقافي، حينها لم تكن لدي فكرة ما، وافترقنا على أن نبقى على اتصال حول فكرة الموضوع، حيث بقي على تقديم مساهمته أقل من شهر. كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لا تزال قريبة إلى ذهنية العالم حينها، وكان الإرهاب، والموت، والسياسة، من الكلمات الأكثر استخدامًا بين الناس في العالم، سياسيين ومتدينين ومثقفين. فاتصلت بالبروفيسور العربي السويسري وقلت له: قد يكون أفضل موضوع لمثل هذه الشريحة الحديث حول مفهوم الموت في الفكر، والثقافة الإسلامية، والذي يذهب إلى معنى انقضاء نوع من أنواع الحياة، أوجدنا الخالق فيها للامتحان والاختبار، وأن اليقين الديني الإسلامي هو البعث والنشور للحياة الأخرى. ودّعت صديقي البروفيسور وانقضت أيّام، جمعتنا الصدفة بعدها، وأخبرني بأنه بحث بعمق في فكرة الموت في الفكر الإسلامي، وقدّم محاضرة لاقت استحسان المنظمين والحضور. وبقي يذكرني بهذا الأمر كلما جمعتنا الصدف.
الحياة والموت في السياسة هي ضمنًا مسؤولية الدول والحكومات والقادة، فبمقدور السياسيين تجاوز كل السبل التي يحتمل أن تفقد البشرية إنسانا، ومن هذا السلوك ما شهدته مدينة جدة خلال الأسبوع المنصرم بتوقيع اتفاقية سلام شجاعة بين بلدين مهمّين في القرن الأفريقي هما إثيوبيا، وإرتيريا. عاش الناس هناك عقودًا من الصراع، والحرب، والقطيعة وغياب التنمية، بعبارة أخرى عاشوا الموت السياسي.
وفي بقعة أخرى من القارة الآسيوية تمّ عقد قمة بين الكوريتين في عاصمة كوريا الشمالية تمخّضت عن تعهّدات كورية شمالية بإلغاء مسارات عسكرية معينة والسماح لمراقبين دوليين بالإشراف على تلك الخطوات المهمة، والكوريتان شهدتا أيضًا عقودًا من الموت والقطيعة الاجتماعية والبشرية، وكانت السياسات للأسف سبلًا للتصعيد والتوتر العسكري، والسياسي في شبه القارة الكورية، وفي آسيا، والعالم.
السياسة لها صلة أكيدة بالموت، وبالفقد، والغياب، ولها علاقة بالحياة ونشرها وتأمين الاستقرار اللازم لها، ويبقى فراق مَن نحبهم من أهل، وأقارب، ومعارف قدرة ومشيئة الرحمن تعالى المُسلّم بها، والتي لا رادّ لها.
salem.asker@gmail.com
رحمك الله يا محمد الشهري، بكيتك بألم، وبدموع حارة، مع أني لا أتذكر منك إلا الفرح والروح المحبة دومًا، ولومك المستمر لي بأني أصبحت كثير الغياب، وأن السياسة والكتابة حولها أخذتني ممن أحبهم.
ويتواصل الحديث والذكريات حول السياسة والموت، ويُعيدني إلى قصة حدثت في العام 2003 بمدينة جنيف السويسرية، حيث عقدت إحدى المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة لقاءات ثقافية بين أتباع الديانات الكبرى في العالم، ووقع اختيار المنظمين على أكاديمي سويسري من أصول عربية هو برفيسور في اللغات المقارنة، وفضّل الرجل العودة إلى المركز الإسلامي في مدينة جنيف للاستنارة برأي القائمين عليه حول اختيار الموضوع الذي يقدّمه، وأثناء زيارته المركز صادف وجودي هناك، وتحدثنا على عجل، وأخبرني بالأمر، وسألني عن موضوع قد يكون مناسبًا للقاء الثقافي، حينها لم تكن لدي فكرة ما، وافترقنا على أن نبقى على اتصال حول فكرة الموضوع، حيث بقي على تقديم مساهمته أقل من شهر. كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لا تزال قريبة إلى ذهنية العالم حينها، وكان الإرهاب، والموت، والسياسة، من الكلمات الأكثر استخدامًا بين الناس في العالم، سياسيين ومتدينين ومثقفين. فاتصلت بالبروفيسور العربي السويسري وقلت له: قد يكون أفضل موضوع لمثل هذه الشريحة الحديث حول مفهوم الموت في الفكر، والثقافة الإسلامية، والذي يذهب إلى معنى انقضاء نوع من أنواع الحياة، أوجدنا الخالق فيها للامتحان والاختبار، وأن اليقين الديني الإسلامي هو البعث والنشور للحياة الأخرى. ودّعت صديقي البروفيسور وانقضت أيّام، جمعتنا الصدفة بعدها، وأخبرني بأنه بحث بعمق في فكرة الموت في الفكر الإسلامي، وقدّم محاضرة لاقت استحسان المنظمين والحضور. وبقي يذكرني بهذا الأمر كلما جمعتنا الصدف.
الحياة والموت في السياسة هي ضمنًا مسؤولية الدول والحكومات والقادة، فبمقدور السياسيين تجاوز كل السبل التي يحتمل أن تفقد البشرية إنسانا، ومن هذا السلوك ما شهدته مدينة جدة خلال الأسبوع المنصرم بتوقيع اتفاقية سلام شجاعة بين بلدين مهمّين في القرن الأفريقي هما إثيوبيا، وإرتيريا. عاش الناس هناك عقودًا من الصراع، والحرب، والقطيعة وغياب التنمية، بعبارة أخرى عاشوا الموت السياسي.
وفي بقعة أخرى من القارة الآسيوية تمّ عقد قمة بين الكوريتين في عاصمة كوريا الشمالية تمخّضت عن تعهّدات كورية شمالية بإلغاء مسارات عسكرية معينة والسماح لمراقبين دوليين بالإشراف على تلك الخطوات المهمة، والكوريتان شهدتا أيضًا عقودًا من الموت والقطيعة الاجتماعية والبشرية، وكانت السياسات للأسف سبلًا للتصعيد والتوتر العسكري، والسياسي في شبه القارة الكورية، وفي آسيا، والعالم.
السياسة لها صلة أكيدة بالموت، وبالفقد، والغياب، ولها علاقة بالحياة ونشرها وتأمين الاستقرار اللازم لها، ويبقى فراق مَن نحبهم من أهل، وأقارب، ومعارف قدرة ومشيئة الرحمن تعالى المُسلّم بها، والتي لا رادّ لها.
salem.asker@gmail.com