د.طرفة عبدالرحمن

نصف جمال الرجل يستقر في شهامته، والباقي يتقسم في تفاصيله الأخرى.. كفة الأخلاق والذكاء ترجح دائمًا في ميزان المعايير والجاذبية خاصة عند الرجل.. وهي قيمة جمالية عالية لا يفتر اعجابك بالشخص المتخلق بها مهما طال الوقت.. هناك صفات شخصية متدنية في السلوك الإنساني بشكل عام، لكنها تكون أقبح إذا صدرت من الرجل، في مقابل أخرى تشتد قبحًا عندما تصدر من المرأة.. والشخصية الذكية تعرف مواطن الجمال والقبح في هذا الجانب، وتحاول ألا تقع تحت المستوى المعتدل منها.

الخلق الرفيع عادة ينبثق من جذر أصيل في بعض الشخصيات الإنسانية، وهو في الأغلب يجمع المتشابهات أو المترادفات له، فالكرم والشجاعة والشهامة غالبًا ما تكون مجتمعة في سلوك ومصدر واحد.. في الجهة المقابلة نجد أن البخل والجبن واللؤم تتعاضد مع بعضها كثيرًا في التعبير عن ذاتها، وهي متفرعة من جذر أخلاقي وضيع في بعض الشخصيات المتدنية.

البشر يتفاوتون جينيًا وبالفطرة في الأصالة الأخلاقية، لكن الثقافة والتربية لها عامل مساعد في تهذيب السلوكيات.. وبما أن الكائن البشري يمتاز عن غيره بقدرته الفائقة على التصرف في كثير من الأحيان بطريقة مخالفة لمعتقداته وأفكاره -لاعتبارات تتعلق بمصلحة آنية أو الخوف من النظرة الاجتماعية- فهو مهيأ لاكتساب القدرة على التصرف وفق قواعد أخلاقية معينة بغض النظر عن توافقها مع ميوله أو رغباته، مثل ما يحدث في كثير من الثقافات التي تعلم الأخلاق تحت أحد قواعد «إتيكيت السلوك» وكثير من الأفراد يلتزمون بها لأنها أصل في العرف والعادة بغض النظر عن مدى موافقتها لطبائعهم ورغباتهم.. بل حتى المجتمعات البدوية الأولى في ثقافتنا العربية كان لها نظام أخلاقي منظم، معظم أفراده ملتزمون به، ولم يكن الأمر متروكًا للخيار الشخصي في كثير من الأحوال.. الآن بزغت ثقافة أخلاقية جديدة يقودها جيل صغير قد يكون متقدمًا تعليميًا لكنه متراجع أخلاقيًا على مستوى الالتزام بقواعد الأخلاق والوعي، خاصة في الجوانب التي تمس تعاملات وحقوق الآخرين.. لم يعد الذوق والإتيكيت الأخلاقي عرفًا متواترًا محددًا لطريقة التعامل مع الآخرين، بل تعددت الأخلاقيات حسب ثقافات الأسر، والطبائع والمزاج الشخصي.. تراجع الأخلاق يأتي في مقدمة أسباب انهيار أي تنظيم اجتماعي، فمنه ينطلق التفريط في حقوق الآخرين بل والتعدي عليها، وهو أحد أسباب تضخم الأنا وتراجع الإيثار، وتوسع دوائر الفساد وتردي الإنتاج في كل مجالات العمل، كما أنه أحد عوامل إرهاق الأمن والمحاكم بقضايا الأحوال الشخصية.. قضية الأخلاق عميقة وخطيرة ولها جوانب بحثية في العلم للوصول إلى القوانين التي تحكمها.