د.عبد الوهاب القحطاني

نمت استثمارات صناديق الثروة السيادية حول العالم، لكنها تباينت في نموها من صندوق سيادي لآخر حسب محددات تتبعها إدارة كل صندوق، حيث يعد صندوق الثروة السيادية النرويجي أو ما يعرف رسميا بالصندوق الحكومي لمعاشات التقاعد - العالمي من أنجح الصناديق السيادية في العالم من حيث القوة وتنويع محفظة الاستثمارات والعائدات فقد بلغت استثماراته أكثر من تريليون دولار أمريكي في 2018م. ويحظى الصندوق السيادي النرويجي بالترتيب الأول من حيث القيمة (1.08) تريليون دولار ليأتي بعده في المرتبة صندوق أبوظبي السيادي بحوالي 828 مليار دولار.

ولقد كانت مبادرة الحكومة النرويجية بإنشاء صندوق معاشات التقاعد - العالمي في عام 1990م لاستثمار الفائض المالي النفطي في شركات قوية في مختلف الأسواق المالية العالمية المختارة بدقة، وكذلك الاستثمار في شركات ذات أصول قوية في النرويج وخارجها. وكان لتراجع أسعار النفط في عام 1986م الدافع الكبير لإنشاء الصندوق للتحوط من تذبذبات أسعار النفط في المستقبل وكذلك للتحوط من نضوبه أو الاستعاضة عنه ببديل.

قوة الصندوق السيادي النرويجي لا تضاهيها قوة صناديق ثروة سيادية عالمية أخرى بما فيها صندوق التأمينات الاجتماعية الأمريكي بالرغم من ضخامة استثماراته لأن عائداته أقل بكثير من عائدات الصندوق السيادي النرويجي الذي بلغت نسبة عائداته الاستثمارية في 2017م حوالي 13.7.

ولمعرفة مدى قوة صندوق الثروة السيادية النرويجي فقد قسمت إجمالي الاستثمارات على عدد سكان النرويج فكان نصيب كل نرويجي حوالي 190 ألف دولار أمريكي أو حوالي 713 ألف ريال سعودي. أما أرباحه في 2017م فقد بلغت 131 مليار دولار أمريكي. ولو افترضنا أن الحكومة النرويجية رغبت في توزيع هذه العائدات على سكان النرويج في نهاية عام 2017م لكان نصيب كل مواطن نرويجي حوالي 25 ألف دولار. هذا دليل على قوة الصندوق السيادي النرويجي من حيث الإدارة في اختيارها لقنوات الاستثمار الرابحة.

وستستفيد الأجيال النرويجية الحالية والقادمة من عائدات صندوق الثروة السيادية النرويجي العملاق عندما تنضب الحقول النفطية، بجيث يستمر النرويجيون في جني الأرباح والمكاسب المالية من تنامي الأصول التي حققها الصندوق التقاعدي الحكومي الشامل عوضا عن إيرادات النفط المتراجعة.

يكمن سر نجاح وتميز إدارة الصندوق السيادي النرويجي في الشفافية والمهنية وتحديد ووضوح المسؤولية والمحاسبة أمام البرلمان والحكومة والشعب النرويجي. ويدير البنك النرويجي لإدارة الاستثمار الصندوق السيادي النرويجي، وهو مؤسسة منبثقة عن البنك المركزي النرويجي. وقد أخذ البنك النرويجي لإدارة الاستثمار في الاعتبار أمام عموم الشعب النرويجي تعظيم عائدات استثمار الصندوق بالتناسب مع المخاطر الاستثمارية. إدارة البنك النرويجي لإدارة الاستثمار مسؤولة ومحاسبة من قبل وزارة المالية النرويجية والبرلمان النرويجي عن أداء الصندوق السيادي.

البنك النرويجي لإدارة الاستثمار مطالب بتقارير دورية للأداء المالي للصندوق بالإضافة إلى التقرير السنوي، بحيث تدقق من شركات متخصصة لها صفة استقلالية عن الحكومة والبرلمان والصندوق والبنك النرويجي لإدارة الاستثمار. وبالرغم من الخبرة الطويلة للبنك المركزي النرويجي التي تجاوزت 200 عام، حيث تم تأسيسه في 1816م إلا أن البنك النرويجي لإدارة الاستثمار والمنبثق عنه قد تعرض للانتقاد بسبب الخسارة الكبيرة في 2008م جراء إفلاس ليمان برذرز Lehman Brothers وبنك واشنطون Washington Mutual خلال الأزمة المالية العالمية.

وختاما، تتميز إدارة الصندوق بشفافية مفرطة ومكشوفة للمنافسين من الصناديق السيادية حول العالم، لكنها مطلوبة من قبل الحكومة ممثلة بوزارة المالية والبرلمان النرويجي.