حوار - يحيى الحجيري

نائب رئيس الائتلاف السوري الأسبق هشام مروة لـ«اليوم»:

قلل نائب رئيس الائتلاف السوري الأسبق هشام مروة، من الأثر المترتب على انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، مشيرا إلى أن واشنطن تستطيع تنفيذ ما تريد دون وجود جيشها هناك، إلا أنه حذر من تداعيات القرار، قائلا إن تنظيم داعش الإرهابي سيتنفس الصعداء، وكذلك نظام الأسد وإيران وروسيا.

وقال مروة في حوار مع «اليوم»: إن إيران تعمل على تغيير الواقع الديمغرافي في سوريا، حيث تمارس أعمالا عبر ميليشياتها الطائفية، التي تدعمها لتكريس ذلك، مؤكدا أن مواجهة هذا المشروع وإسقاطه مرتبط بإنجاز الحل السياسي في سوريا، فإلى نص الحوار..

ماذا يترتب على قرار الرئيس ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا؟

- الرئيس ترامب كان يردد دوما ويلوح بأن القضية السورية بالنسبة لهم ليست ذات أهمية، لكن في الحقيقة هذا الأمر لا يعكس توجهات سياسة البنتاجون ولا وزارة الخارجية الأمريكية.

لكن أود أن أشير هنا إلى أن هذا أمر يعكس حالة القوة السياسية إن صح التعبير، والأهم من ذلك قد يكون إفراغ المنطقة من الجيش الأمريكي لتوجيه ضربات عسكرية ضد أهداف، وهذا احتمال قائم لكن تقديمه أو تأخيره يحتاج إلى مرجحات أخرى.

ما تأثير القرار على الواقع هناك؟

- هذا الانسحاب سيخلق فرصة مناخ جديد لنمو الإرهاب.

بالتأكيد ستتنفس داعش الصعداء وكذلك نظام الأسد وإيران وروسيا بخروج القوات الأمريكية، وسيجدون في خروجها تخفيفا للضغط وورقة سياسية من الممكن التلاعب بها، والأمريكان لم يعودوا حريصين على التقدم أو البقاء في المنطقة.

من المؤكد أن الاحتمالات مفتوحة، ولكن المسألة لم تنته بعد، وهو قرار بإعادة صياغة وترتيب للوجود الأمريكي بشكل جديد.

كأستاذ في القانون، كيف تنظر إلى قضية اللجنة الدستورية والدستور، الذي سيتم فرضه على السوريين وما مدى مشروعيته، وكذلك القانون الذي أصدره الأسد بنزع ملكيات السوريين الغائبين؟

- دعني وقبل مواصلة الحديث، أشكر لكم ولصحيفتكم اهتمامكم، وهذا ليس بالجديد على الإعلام والصحافة السعودية، فقد وقفتم إلى جانب الشعب السوري مطالبين بالحرية والكرامة والإصلاح والانتقال السياسي، الذي يحقق تطلعات شعبنا.

تضمن سؤالكم نقاطا ثلاثا، اللجنة الدستورية، والدستور ومشروعيته، والقانون رقم (10) الذي أصدره النظام.

أما رؤيتي القانونية للجنة الدستورية وعملها، فهي استحقاق على طريق الانتقال السياسي، وهو محطة من محطات هذا الطريق سواء كانت في أوله أو منتصفه أو نهايته، فلا بد من التصدي لهذا الاستحقاق وشحذ الهمم واستنفاد الجهود اللازمة والممكنة لإنجاحه وإتقانه.

وتقديم مشروع دستور للسوريين يمثل عقدا اجتماعيا جديدا يحقق تطلعاتهم.

لماذا ترفضون الدستور؟

- تبعا للحيثيات، التي ذكرتها لك، أؤكد رفض المعارضة وقوى الثورة لأي دستور يفرض عليهم، ذلك أن المشروع الذي ستعده اللجنة الدستورية، لن يفرض على السوريين، بل سيقدم للاستفتاء الشعبي في نهاية المطاف، وبدون هذا الاستفتاء لا يكتسب مشروع الدستور مشروعيته.

واسمح لي أخيرا أن أذكّر بأمر على درجة عالية من الأهمية، وهو أن المشكلة في سوريا ليست في وجود دستور أو صياغة دستور جديد على أهمية هذا الأمر، لكن استبداد النظام وفساده وعدم احترامه للدستور والقوانين والإصرار على الحل العسكري هو أس البلاء في سوريا.

كيف تنظر للقانون رقم (10)؟

- هذا القانون يعد بوابة لنزع ملكية عقارات يملكها السوريون، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق وهربوا من بطش النظام وعسفه وجوره، ومنهم مَنْ قضى نحبه ومنهم مَنْ ينتظر.

وهؤلاء لا يستطيعون تنظيم وكالات لمَنْ يمثلهم إما بسبب الخوف على مَنْ سيكون وكيلا أو بسبب عدم وجود مَنْ يرضى بأن يكون وكيلا لهم؛ لأنه سيعرض نفسه لمساءلة أجهزة أمن النظام، الأمر الذي سيفضي إلى نزع ملكية العقارات، التي يملكونها في المخططات التنظيمية الجديدة.

ولا يساور أحد الشك في أن النظام منذ أعلن في مطلع شهر 8 /‏‏2015، أن الجنسية السورية ليست لمَنْ يحمل جواز سفر سوريا بل (لمَنْ يحميها) وهي إشارة واضحة إلى عزم النظام على منح الجنسية لمَنْ يقف إلى جانبه من غير السوريين، ويهدف إلى إجراء تغيير ديمغرافي في سوريا.

هل من الممكن أن ينتقل ملف الأزمة السورية ومستقبلها إلى واشنطن، وتنتزع هذه الورقة من روسيا وإيران؟ أم أن الأمر لا يتعدى الضغط على روسيا لاعتبارات غير سورية؟

- الإدارة الأمريكية حاضرة في الأزمة السورية، بل هي موجودة بشرق البلاد عبر قواعد عسكرية ولن تسمح لروسيا أو إيران بالانفراد بالحل. وتتعامل الإدارة الأمريكية مع الملف وفق رؤيتها لمصالحها.

ولم يكن التدخل الروسي في سوريا بدءا من 30 /‏‏9 /‏‏2015 بعيدا عن مرأى ومسمع الإدارة الأمريكية، ورسائلها الجادة (لو وجدت) تواجه بالاستجابة.

ولنا فيما جرى من تهديدات بضربة عسكرية في 23 /‏‏8 /‏‏2013، إبان استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية والغربية، التي ذهب ضحيتها حوالي 1700 ضحية جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ، حيث سلم النظام ترسانة الأسلحة الكيماوية، واليوم دفع تهديد جيمس جفري الممثل الخاص لوزير الخارجية الأمريكي قبل أيام بإنهاء مسار سوتشي وأستانة بالروس إلى التعجيل بإنهاء اعتراضات النظام على اللجنة الدستورية.

يقال إن فشل أستانة الأخير بسبب خلاف روسيا وإيران وتركيا على اسم الدولة السورية المنشودة، فتركيا تريدها «الجمهورية السورية» بينما تريدها إيران «جمهورية إسلامية» فيما ترى روسيا أنها «جمهورية عربية سورية».. ما رأيك بذلك؟ وأين دور السوريين في تقرير مصير بلدهم، أين المعارضة والنظام هل ارتهنوا كليا لهذه الأطراف وأطراف أخرى؟

- لم يكن فشل اجتماع أستانة الأخير (رقم 11)، بسبب الخلاف على تسمية الدولة السورية، بل بسبب عدم قدرة الأطراف الحاضرة على الاتفاق على حل لعقدة النظام من اللجنة الدستورية.

ثم تقرير مصير السوريين بكل تأكيد سيكون بيد السوريين أنفسهم، وإلا فإن الأزمة لن تنتهي بل ستعود الأوضاع للانفجار في أي وقت، ولن تكون المعارضة مرتهنة لأي طرف دولي والمعول عليه هو ما يستقر عليه الأمر في خاتمة المطاف، واسم سوريا قرره ويقرره السوريون، وتعقيدات المشهد بين الروس والأتراك والأمم المتحدة كانت في اجتماعات أستانة (11) كبيرة، وتركزت على تفكيك جبهة النصرة وعدم انهيار اتفاق إدلب وموضوع المعتقلين واللجنة الدستورية.

تعمل إيران بمساعدة النظام على تغيير الواقع الديموغرافي في سوريا بشكل متواصل، والنظام يقر المراسيم غير المباشرة خدمة لهذا المشروع، كيف تواجهون ذلك مع انهيار قوى الثورة العسكرية وتراجع دور المعارضة؟

- نعم إيران تعمل على تغيير الواقع الديمغرافي في سوريا، والأخبار تأتي عن أعمال تقوم بها والميليشيات الطائفية، التي تدعمها لتكريس ذلك، ومواجهة هذا المشروع الإيراني وإسقاطه مرتبط بإنجاز الحل السياسي في سوريا، حيث يعتاش مشروع طهران على استمرار الحل العسكري، ثم إن ما يقوم به والنظام من محاولات لتجذير التغيير الديمغرافي في سوريا، محكوم عليه بالفشل وسيلفظه الشعب السوري، وليس سرا أن المعارضة وقوى الثورة ومنظمات المجتمع المدني ترصد هذه الظاهرة وهذه الإجراءات والتصرفات والقوانين وسيكون تفكيكها وإعادة الأمر إلى نصابه من أولويات المرحلة القادمة في سوريا.

إيران دمرت العراق وتسير نحو تدمير لبنان واليوم في سوريا مطلقة اليد.. برأيك هل ستنجح بتأسيس نظام على الطريقة العراقية (نظام تحكمه الميليشيات) وأحزاب موالية والوطنيون مهمشون ومغيبون؟ ولماذا تصمتون وتسكت موسكو على ذلك؟ وهل تعتقد أن كل ذلك يحدث خدمة لإسرائيل؟

- الوضع في سوريا مختلف عن الوضع بالعراق، والنسيج الاجتماعي لا يسمح بإعادة استنساخ تجربة العراق.

إيران الآن تشكل خطرا على استقرار المنطقة، بل إن أداءها المرتبط برؤية طائفية سيجعل المنطقة في حالة توتر دائم، بل سيدفع باتجاه تحالفات إقليمية للوقوف في وجه هذا الخطر الداهم فعلا، ما يجري في سوريا واليمن يؤكد أن الوجود الإيراني في البلدان، التي دخلتها متلازم مع تدمير البلاد وتشريد العباد ونشر الفوضى والفساد، وسيكون التصدي لهذا الوجود حتما مقضيا تفرضه ضرورات الاستقرار والحفاظ على الأمن والسلم الإقليميين.

هل تعتقد أن العقوبات الأمريكية على إيران ستؤثر على وجودها في سوريا؟

- نعم إن العقوبات على إيران ستؤثر على اقتصاداتها وهذا ما انعكس فعلا، وستنعكس على دعمها للمجموعات التي تنشر الدمار في لبنان وسوريا واليمن.

إن الموازنات المالية الضخمة، التي تقدمها إيران لكل من «حزب الله» في لبنان وسوريا، ستنخفض ومع انخفاضها سيقل الدور الإجرامي لهذه المنظمات، لكن خروجها من سوريا يحتاج إلى قرار سياسي حازم من الجهات الجادة في إخراجها من سوريا، وهو كفيل بذلك حتى لو لم تكن هناك عقوبات.

سارت الثورة السورية بخط صاعد حتى كادت تسقط النظام، ولم ترفع مظلة واشنطن عن الأسد ونظامه.. برأيك لماذا يريد العالم الغربي وروسيا والصين وبعض العرب فرض الأسد القاتل على السوريين؟

- القرارات الصادرة عن مجلس الأمن بالإجماع مثل القرار 2118 لعام 2013 المتضمن اعتماد الحل السياسي في سوريا عبر تشكيل هيئة حكم انتقالي تقود مرحلة انتقالية.

والقرار 2254، الذي أكد تطبيق بيان جنيف من خلال حكم غير طائفي ذي مصداقية، وكذلك القرارات الأممية، التي تدين جرائم النظام وحلفائه والتقارير الحقوقية، التي أحيلت إلى مجلس الأمن لمحاسبة النظام على جرائمه ضد الشعب السوري تؤكد أن العالم في عمومه قد تعاطف مع ثورة الشعب في سوريا، بغض النظر عن الأداء السياسي المتواضع لمجلس الأمن وعجزه عن اتخاذ الفعل المناسب حسب القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي.

برأيك لماذا تقبل روسيا بدور إيراني في سوريا وهي، التي أنقذت النظام وإيران من الانهيار مع تدخلها العسكري الكثيف، وما مدى جدية التصريحات الروسية، التي تتحدث عن خروج جميع القوات الأجنبية من سوريا، خاصة ميليشيات إيران؟

- الروس يقبلون بالدور الإيراني لأنه يساهم في خططهم، التي يعملون عليها في سوريا عسكريا وسياسيا، والمقصود بخروج القوات الأجنبية، هو خروج القوات الأمريكية والتركية وليس الإيرانية والمجموعات المسلحة؛ لأن الروس يرون وجود إيران والمقاتلين المرتبطين بها وجودا شرعيا بسبب أن النظام هو مَنْ استدعاهم.

كيف تنظرون إلى مواقف بعض الدول العربية، التي تسير باتجاه الاعتراف بالأسد مرة أخرى؟

- لقد كان لقرار إخراج النظام من جامعة الدول العربية، الذي قادته المملكة العربية السعودية أثر بالغ في الضغط على النظام وعزله سياسيا ودوليا، وقد كان ذلك لوقف المجازر بحق السوريين.

وحيث إن ما هدف إليه قرار قطع العلاقة مع نظام الأسد لم يتحقق، فالمجازر مستمرة ولا يزال النظام يرفض الحل السياسي ولم يتحقق أي انفراج في الأزمة في سوريا، فالأصل أن يبقى الحال على ما هو عليه من عدم اعتراف، وهذا ما نتطلع إليه من الأشقاء العرب، كما نهيب بهم ألا يتناسوا خطورة الاعتراف بنظام يتحالف مع إيران، التي تحمل مشروعا خطرا على الأمن والسلم الإقليميين.

حدثنا عن رؤيتكم لمستقبل سوريا، وهل من أمل بحل ينهي النظام؟

- سوريا لن تعود كما كانت قبل 2011 بمعنى أن التضحيات، التي قدمها السوري ستشكل المجتمع وستؤثر إيجابيا في مستقبله على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لجهة زوال الفساد والاستبداد وإن طال الزمن، وستعود سوريا أفضل إن شاء الله بهمة السوريين وتتحقق إعادة الإعمار، النظام انتهى ومَنْ يقرأ المشهد السياسي مستحضرا تجارب التغيير الإنساني، يرى أن الذي يجري الآن من جهود سياسية وعمل للحل السياسي هي خطوات على طريق تشكيل نظام سياسي جديد.

وقطعا عجلة التاريخ لن تعود إلى الوراء، قد يطول الأمر، ولكن التغيير قادم ودماء الشهداء ستزهر حرية وكرامة وحضارة.