سلطان السعد القحطاني

كان إعلان إنشاء وزارة للثقافة في المملكة العربية السعودية واحدا من الأخبار السعيدة التي تلقاها المثقفون في البلاد بسعادة وحبور. وسبب هذه السعادة، المشوبة بالتفاؤل، هو أنه، وأخيرا، سيكون هنالك مظلة رسمية متخصصة فقط في الجانب الثقافي، ومكلفة بتطويره، الأمر الذي سينعكس إيجابا على العمل الثقافي برمته، ويسهم في رفع مستوى الحركة الثقافية في المملكة.

التحديات التي يواجهها وزير الثقافة الشاب، الأمير بدر بن فرحان، ليست مستحيلة رغم صعوبتها. أهمها خلق واقع ثقافي يرتقي بسادة القوة الناعمة المهمين في المملكة، وهم المثقفون وصانعو المحتوى الإبداعي، والذين يعتبرون أحد الأسلحة الهامة لأي دولة في العالم. أثبتت الثقافة دائما أنها سلاح مهم لا يقل تأثيره عن القوة العسكرية، والاقتصادية.

إننا حين ننظر إلى التاريخ سنرى أنه وبالرغم من التفوق الأمريكي على بريطانيا بعد نهاية آثار التفوق التي قادتها الثورة الصناعية، فإن سلطان اللغة أبقى هذه المملكة المعزولة بالبحار، امبراطورية من كلمات، لا تتوقف عند حد. وبلغتها، تُكتب البحوث، وتنتشر الاختراعات الحديثة، وتنتج أعظم الأفلام، وتصدر أكثر الصحف تأثيرا. بل إن أفلام الشحن الوطني الأمريكية روجت لعموم العالم، صورة براقة للقوة العظمى التي تشرق مع الشمس، دون إسالة دماء، أو احتلال دول، فقط عبر شاشات تومض بالألوان، والصوت العابر للحدود. لم تعد أفكار الغزو مرتبطة بالأسلحة والعسكر والطائرات النفاثة، بل بالمسرح، والسينما، والكتب، والأفكار.

هذا ما نريد في المملكة أن نستوعبه، ونبني على أساسه خارطة طريقنا الثقافي التي لا تنحصر في وجه ثقافي بعينه، بل شاملة لكافة الوجوه التي تعبر عن العمل الثقافي بشكل عام. أن نبدأ في استيعاب أن العمل الثقافي، وصناعة المحتوى الإبداعي، ليست كماليات، أو عملية ترفيهية، بل من صميم الأمن الوطني للمملكة.

يعمل الأمير الشاب بدر بن فرحان بصمت في بناء الأسس اللازمة لديمومة عمل ثقافي لا تتوقف. لقد بدأ في الالتفات إلى التراث والآثار في المملكة، وأحيا المواقع الأثرية. هذا أمر إيجابي. إن الثقافة بجانب العمل السينمائي، والمؤتمرات الفنية، هي محتوى ومنتج. في المنطقة تجارب ملهمة يمكن البناء عليها في المملكة. إن إنتاجات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، والمركز القومي للترجمة في مصر، كلها تجارب ملهمة جديرة بالاقتداء. فهناك روائع المسرح والأدب والفكر والثقافة العالمية، مترجمة بتميز، وكذلك منتجات المبدعين العرب الثقافية، والمجلات الاحترافية. كما أن مبادرات القراءة للجميع عبر الكتب المخفضة، والاهتمام بالقارئ الصغير، سوف تسهم في صناعة قارئ ومتذوق يعي أهمية المنتج الثقافي.

إن الثقافة بناء كبير، والمملكة قادرة على الوصول إلى مكانتها الثقافية المستحقة، بحكم ما تملكه من تاريخ ثقافي ثري، وجغرافيا احتضنت الكثير من الحضارات في العالم. وكلي أمل في أن أرى حالة المثقف السعودي قد تغيرت للأفضل، وأن تنتهي مقولة أن العمل الثقافي غير مجدٍ ماديا ولا معنويا.