د.نورة عبدالله الهديب

لقد سعى الإنسان جاهداً للتطور، ولَم تكُن أجياله مقتنعة تماماً بما وصل إليه أجدادهم من تطور. فالتطور كان نتيجة لاختراعات الإنسان بناء على احتياجاته للاستمرار في هذه الحياة. ولقد ساعد طمع الإنسان ليتدرج في التطور شيئاً فشيئاً، حتى وصل إلى حد الإدمان. كنت أسأل نفسي دائماً، عن ماذا يبحث الإنسان؟ ولماذا؟ وإلى أين يريد أن يصل؟.

قال تعالى: «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا». فقد خلق الله تعالى البشر ليندمجوا باختلافاتهم في الأعراق والأجناس ليتعارفوا، إذاً فالتعارف حكمة من حكم الله تعالى في خلقنا مختلفين. فمن خلال التعارف يتم تبادل المعارف والعلوم والاختراعات والثقافات وغيرها من الأمور التي تساعد الإنسان على زيادة كمية الفضول المعرفي والبحثي لتطوير البشرية. كان لفضول الإنسان في البحث عن العلم إيجابيات جعلته ينغمس في عمليات البحث، حتى وصل إلى مرحلة البحث عن ذاته فأصبح شغوفاً بمعرفة كيفية تكوينه الجسدي والفكري، فحاول مجتهداً في صنع آلته الدماغية. ليرى بطريقة أو بأخرى كيفية عمل خلاياه بشكل تقريبي. فأصبح يعتني بهذه الآلة ويحاول تطويرها ليعطيها جُلّ اهتمامه. ولأنه عكف على خدمتها، فقد كان مقصراً في علاقاته البشرية حتى فقد جمالها. معلناً بذلك، علاقته العاطفية مع معشوقته (الآلة)، التي قد احتوته فكريا وعاطفياً وذلك بعدم مقاومته لسحرها. نعم، فمع ضغوطات الحياة وبتسارع الزمن فإن الإنسان كان يبحث عن الاحتواء بشتى أنواعه الذي لم يستطع إيجاده مع بني جنسه. لذلك، فإن الاحتواء الذي كانت تعطيه الآلة للإنسان كان سببا آخر لإدمانه لها.

وماذا بعد أيتها الآلة؟!

بدأت الآلة في التكشير عن أنيابها، ليكون ظاهرها جمال العلوم والمعارف التي اخترعها البشر. وفي باطنها قباحة نفوس البشر وخداعهم لأنها وفي النهاية تبقى الصندوق السري الذي صنعه الإنسان ليخبئ أسراره قبيحها وجميلها فيها. فأصبحت الآلة وكأنها تتلاعب بعواطف وعقول البشر بطرح ما يتناسب مع رغباتهم الشيطانية. فأخرجت لنا أجيالا لا نعرف كيف نتعامل معهم، لذلك اضطر الإنسان لعمليات البحث العلمية والمعرفية من جديد. حتى وصل إلى ذلك العلم الذي يكشف لنا نتائج تعلق الإنسان بالآلة، وكيف له أن ينافس العلوم القديمة والجديدة.

فالعلم السيبراني، هو التوجه العلمي للإنسان في العصر الحديث ليكشف لنا مخلفات هذه الآلة وكيف أنها قد أثرت على السلوك البشري بطريقة أو بأخرى. فهذا العلم سوف يخدم البشرية كما خدمت علوم الكيمياء والفيزياء وغيرها من العلوم بني البشر، ليتشعب التطور في مجالات العلوم الفلكية والتقنية. وبذلك قد يستطيع الإنسان الانتصار على معشوقته بفك شفراتها التي كانت تأخذ جل تفكيره ووقته. وفي النهاية، أتمنى أن يستوعب الإنسان أن لا عقل إلا عقله ولا روح إلا روحه.