د.عبد الوهاب القحطاني

الأزمات سواء المالية أو الإدارية أو الاقتصادية حالات استثنائية تمر بها بعض الشركات، وتعد الاختبار المناسب لبروز مهارات قادة الأزمات الذين يعتبرون قليلين ويتميزون بصفات قد لا نجدها في معظم القادة التقليديين. إدارة الأزمات مهمة غير اعتيادية تحتاج لمهارات وقدرات عالية.

وبقراءة شاملة ودقيقة ومتفحصة وموضوعية نجد أن عالمنا العربي متخم بالقيادات الإدارية التقليدية في الشركات، التي قل أن نجد منها ما تتميز بصفات قبول المغامرة ومواجهة التحدي والتغيير الفعال والهادف لتتجاوز الأزمات، بل معظمها تفكر بنفس النمط القديم الذي لا يشجع على الإبداع والابتكار والنمو. إنها قيادات تتفاعل مع الأحداث بعد وقوعها لتصلح ما أتلفته تلك الأحداث بدلا من بناء قوة مؤسسية تجس نبض الأحداث قبل وقوعها لتتعامل معها قبل وقوعها. وهذه بلا شك صفة من الصفات الكثيرة التي تميز قيادات الأزمات عن غيرها. وقل أن نجد بيننا أمثال السيد لي أياكوكا وجاك ولش وبييل جيتس وغيرهم من القادة المؤثرين لأننا للأسف لا نشجع المبدعين والمبادرين والمبتكرين، بل نبني ثقافة المجاملة والواسطة والمحاباة وغيرها من السلوكيات التي تجعلنا في مؤخرة الأمم بزمن طويل، وذلك لأننا نقرب ونوظف من نعرف ونفضلهم على من لا نعرف من المؤهلين لأسباب شخصية وغير موضوعية.

الأمثلة كثيرة من المجتمعات الأخرى عن قادة الأزمات، حيث يعد السيد جاك ولش مهندس التغيير والإبداع والابتكار وحلول الأزمات في شركة جنرال إلكتريك التي نجحت في إبرام الصفقة التاريخية لشركة للبلاستيك. التي كانت مملوكة لشركة جنرال إلكتريك. لقد كانت توصية ونصيحة جاك ولش قبل تقاعده في عام 2000م أن تقوم شركة جنرال إلكتريك ببيع شركة البلاستيك لأنها أصبحت حملا ثقيلا على الشركة الأم، حيث لا تحقق الأرباح المأمولة، بل تتزايد تكاليفها التشغيلية بدرجة كبيرة تؤثر في إجمالي ايرادات وأرباح شركة جنرال إلكتريك.

كان قدوم السيد لي أياكوكا إلى شركة كرايزلر للسيارات كرئيس تنفيذي بشارة خير، وذلك لقدرته على قيادتها إلى النجاح، بل كان اختياره لكفاءته وخبرته وعلمه وقدراته ومهاراته المتميزة في إنقاذها وعدد آخر من الشركات من الإفلاس. وهذه معايير اختيار قادة الأزمات والتغيير المؤثرين والتي نتجاهلها في عالمنا العربي الذي تفسده الواسطة والمجاملة والفساد والمحاباة. لا يستطيع أي قائد إداري في الشركات التعامل مع الأزمات المالية والإدارية والاقتصادية إلا عندما تتوافر فيه صفات قل أن نجدها في الكثير من القادة التقليديين.

ولم يكن اسم السيد لي أياكوكا غريبا على الأمريكيين فقد كان علما من أعلام القيادة الفذة في إدارة الأزمات، بحيث توقع الكثيرون منهم ترشحه للانتخابات الأمريكية قبل 25 سنة، وذلك كمنافس ديموقراطي، لكنه لم يفعل ذلك لأسباب شخصية خاصة، وكذلك بطلب من الحزب الديموقراطي حتى لا يستحوذ على أصوات تضر بفوز الديموقراطيين الذين رأوا في الرئيس بيل كلنتون المنافس الديموقراطي الأنسب. يطوف السيد لي أياكوكا بالجامعات الأمريكية وغيرها من جامعات العالم بعد تقاعده ليتحدث فيها عن تجاربه الغنية بالنجاح في إدارة الأزمات، سواء في شركة كرايزلر للسيارات أو شركة بيبسي كولا أو شركة بوينج لصناعة الطائرات وغيرها من الشركات التي ارتبطت عمليات إنقاذها باسمه.

وإذا أردنا معرفة الصفات القيادية التي تميز بها السيد لي أياكوكا فهي الجدية والحزم والنظرة الإستراتيجية الثاقبة والقيادة المتعاونة والمصغية لكل فرد في الشركة حتى وإن كان مركزه الوظيفي متواضعا أو من غير مركز وظيفي. ومن الصفات التي تميز السيد لي أياكوكا عن غيره من قادة الأزمات هي الشجاعة والهدوء والتفاؤل والصبر والإصرار.