نجيب الزامل

أنا لم أعش المنافسة الحلوة القائمة بين أكثر مدنيين في المملكة جدلًا وهما عنيزة وبريدة لأن أهلنا هاجروا من عنيزة منذ الأجداد. ولكن حصلت لي تجارب شخصية عندما أسافر لإحدى المدينتين تسفر عن هذا التنافس اللذيذ بين المدينتين الذي عادةً ما يكون بنكهة التفكه والمزاح، ولكن هذا المزاح والتفكه، بطبيعة الناس العملية والتجارية، يسفر عن نتائج اقتصادية أو فكرية أو اجتماعية لكليهما.. أو رياضية!

هاتفتني صديق بريداوي وهو يجمع ما شاء الله بين أكثر من شيء، فهو مثقف وكاتب، ورجل أعمال، وصاحب كاريزما وحس فكاهي فائقين، وجرى الحديث كالتالي:

- (باللهجة القصيمية) صدقتْ الحين ياخي أن بريدة ماهنا أزيَن مْنَهْ؟

أنا- (باللهجة الشرقاوية الملخبطة مع كل لهجة أخرى) شلون؟

- بريده بَه كل شين (أي كل شيء)، النجاح التجاري والتفوق الفكري .. وأمس نادينا التعاون صقع الهلال القوي مهوب مرة إلا مرتين، شفت عاد؟ بريدة تتفوق حتى بالرياضة، قلت لك ياخي بريدة ما هنا أزيَن منَه.

لا شأن لي بما يحدث في بريدة مباشرة إلا أني غُلبت على أمري فما قاله صديقي البريداوي مثبت إثباتا شاهقا، فبريدة تضم من يعتبرون من أكثر الأفراد ثروة ونجاحًا وشهرةً في البلاد، وحتى خارج البلاد، وبالتالي هي مدينة لأمرٍ ما يجب أن يبحث عنه الانثربلوجيون مدينة صانعة للنجاح، ومن ناحية يجب أن يبحث فيها الاحتماعيون يرتبط بها أهلها ارتباطا عضويًا، أعرف شخصيا مثلا أن عائلة الشائع الكويتية صاحبة الإمبراطورية التجارية لا تمضي سنةٌ دون أن يزور أفرادها لمدينة جذورهم بريدة.

كما أن لا شأن لي بالهلال ولكنه فريق كبير يكبو وينهض، على أن التعاون حقق الأسطورة التي تحدثت عنها الكتب القديمة في تغلب داود الصغير على جوليات العملاق.

ولم يتركني صاحبي فقال بلهجته البريداوية:

-وانتم يا أهل عنيزة وشزيّن ناديكم العربي؟

قلت له ما زحاً- ربما لأن أهل عنيزة أكثر عطفًا وإنسانيةً !

وضحك ضحكةً بريداوية.. وأقفل السماعة.