عبدالعزيز العمري - الباحة

حصونها تستخدم كأبراج مراقبة ومقر لاتفاقيات الصلح بين القبائل

قرية الملد التاريخية إرث حضاري وتراث عمراني فريد وحصون أثرية شامخة تمتد إلى أكثر من ٤٠٠ عام، تقع جنوب ‫الباحة‬ في جبال السراة على تلال تطل على وادي الملد، وتبعد عن مكة المكرمة حوالي 250 كيلو مترا، تمتاز بحصونها المرتفعة والشامخة، ومن أبرز حصونها حصن الأخوين «التوأمين» الأثري، بنيت بيوتها من الحجر الصخري الطبيعي، وأسقفها من الأخشاب والطين، حصونها كانت تستخدم كأبراج مراقبة ومستودعات للأغذية، وفيها مبانٍ تعقد فيها الصفقات التجارية واتفاقيات الصلح بين القبائل.‬

طرقات ضيقة

وقال المختص بالآثار والتراث عبدالإله الفارس: «تشكل قرية الملد التاريخية قلعة من قلاع المنطقة المميزة، التي بنيت بيوتها جميعاً من الحجر الصخري الطبيعي، وقد استخدمت الحيوانات للنقل داخل القرية، كما أن أغلب سكان القرية يسيرون على أقدامهم وذلك بسبب الطرقات الضيقة؛ ويتوافر فيها بعض الدكاكين الصغيرة التي تسد احتياجات السكان، كما تشتهر بحصونها المرتفعة والشامخة في قمة الجبل التي تحيطها البيوت القديمة، ويمتاز مناخها بالبرودة والأمطار في الشتاء والجو المعتدل في الصيف».

منظومة تاريخية

وأضاف الفارس: «يمثل التراث العمراني في منطقة الباحة، منظومة تاريخية متصلة تعكس بجلاء مكينة التطور الحضاري لإنسان الباحة عبر حقب عدة من التاريخ، كما تعطي مؤشرا عن كيفية تعامله مع البيئة العمرانية التي يسكنها، وسط تسابق الأمم في مختلف أنحاء العالم على المحافظة على كنوزها الأثرية بترميمها وصيانتها وجعلها مقصدا للزوار ورافدا من روافد السياحة، إلا أن المحافظة عليها لا تعني فقط الحفاظ على تلك الموروثات بشكلها فقط، وإنما حفظ تاريخها بما حمله من أحداث، وإبرازه للآخرين كإحدى الشواهد التاريخية التي مرت بها، وتمثل قرية الملد التاريخية التي يزيد عمرها على ٤٠٠ عام، أحد المعالم والشواهد التاريخية التي تحكي فصلا من نمط حياة ومعيشة ابن الباحة سابقا، ورغم ما تتسم به مبانيها من بساطة في المظهر، إلا أنها تتمتع بصلابة في الصمود والشموخ، تعكس جسارة الإنسان وحرفيته في اختيار الموقع المناسب للبناء ووضع لبناته وتشييده بما يتناسب وتلك المرحلة الزمنية».

برجا القرية

وأشار الفارس إلى أن من أهم المعالم التاريخية في القرية برجي قرية الملد وهما عبارة عن حِصنين متجاورين كانا لشقيقين قاما ببنائهما قديماً للمراقبة الحربية وجعلا منهما مستودعا للأغذية، ويجاور هذين البرجين مبنى كانت تُبرم فيه اتفاقيات الصلح بين القبائل وتعقد فيه الصفقات التجارية في قديم الزمان، حيث يقعان على طريق التجارة القديم المؤدي لعسير جنوباً، ويقع الحصن على جانب الطريق المؤدي لمحافظة بالجرشي بصمود وثبات أمام متغيرات الظروف المناخية ويعتبر شاهداً تاريخياً لكل الأجيال المتعاقبة منذ ٤٠٠ عام، لافتاً إلى أن هذه القلاع والحصون على قمم مرتفعات السراة بمنطقة الباحة تعد مرجعاً تاريخياً يعكس للأجيال المعاصرة مدى الضرورة الاجتماعية لإقامة هذه الحصون الحربية وما كانت عليه الجزيرة العربية من تمزق وحروب قبلية وافتقار للنواحي الأمنية قبل انبثاق الضياء وتبدد الظلام بمجيء الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وتوحيده للوطن وانتزاعه للعصبية القبلية.