إبراهيم باحاذق

يُولد الإنسان وبداخله نزعة الخير ونزعة الشر وطوال رحلته في الحياة هو بنفسه يختار لمن تكون الغلبة، فإما أن يجاهد هوى النفس وتغلبه نزعة الخير ليكون صاحب خُلق حسن، وإما أن يستسلم لأهوائه وتغلبه نزعة الشر وهو بذلك يُؤدي بنفسه إلى طريق الهلاك. إن الأمر عبارة عن صراع مستمر منذ بداية الخليقة مع النفس البشرية الضعيفة، فلا يمكننا الجزم بأن أخلاق الإنسان تسير على وتيرة واحدة طوال حياته فأحيانًا تميل نحو الخير وأحيانًا تميل نحو الشر، ولكن المهم أن يُدرك الإنسان خطأه ويستقيم.

ونكاد نجزم أن حسُن الخلق هو المبدأ الذي أكد عليه جميع الرسل والأنبياء الذين مروا على هذه الأرض، وقرآننا الكريم وأحاديثنا النبوية الشريفة خير مصادر وثوابت لدينا وجميعها تتفق على أن حسن الخلق من تمام الصفات التي يجب أن يتحلى بها الإنسان المسلم.

وإن خاتم المرسلين أكد على أن بعثته كانت لهداية العالمين ولإتمام مكارم الأخلاق، والله عز وجل في مدحه للنبي الكريم وصفه بالخُلق العظيم، وذلك في قوله تعالى في سورة القلم: «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»، وهذه من أجمل الصفات ومواقف النبي -صلى الله عليه وسلم- عديدة في هذا الشأن وجميعها تؤكد هذه الصفة الجليلة.

كل هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أهمية الأخلاق للفرد والتي تنعكس بالطبع نتائجها على المجتمع ككل، فالإنسان صاحب الخُلق الحسن نجده يتقي الله في جميع أقواله وأفعاله، ولهذا فإنه يتحلى بالكرم والأمانة والصدق والصفات الحميدة التي يبحث الجميع عن أصحابها ليتعاملوا معهم على المستوى الاجتماعي والعملي، فهم أهل الثقة في المقام الأول لكونهم يسيرون على المبادئ والقواعد المسؤولة عن تنظيم السلوك الإنساني دون انحراف، وهو ما يسهل التعامل معهم بأمان وتكون سيرتهم طيبة ومحمودة بين الجميع.

وانعكاسات حسُن الخلق على الفرد لا تظهر فقط في الدنيا وإنما تعلي من مكانته وقدره يوم الحساب بتأكيد من الحديث النبوي الشريف: «إنَّ أحَبَّكم إليَّ وأقرَبَكم منِّي في الآخرةِ أحاسنكم أخلاقًا وإنَّ أبغَضَكم إليَّ وأبعَدَكم منِّي في الآخرةِ أسوأكم أخلاقًا المُتشدِّقونَ المُتفيهقونَ الثَّرثارونَ»، أما فيما يتعلق بانعكاسات حسن الخُلق على المجتمع فإنها لا تحصى، حيث إنها من أسس استمرار المجتمعات وتوازنها، حيث إن بقاءها خالد ما دامت الدنيا باقية، وبفضلها لن يتم ترجيح كافة الشر التي تهدم الأمم.

حُسن الخلق يجعل الفرد مدركًا لحقيقة ثابتة، ألا وهي أن الدار الآخرة هي الأصل الذي يعمل له الإنسان طوال حياته، وهو ما يقلل من المكائد والصراعات والحروب سواء الداخلية والخارجية في كل مكان من أجل الارتقاء، وتجعل هناك تصالحا مع النفس أن الدنيا زائلة فلا يجب التنافس عليها، وإنما يجب التنافس لتعمير الأرض لأنها رسالة الله - عز وجل - ومقصده من خلق البشر، وعند الوصول إلى هذه الدرجة من الوعي حينها فقط يمكن للأمم أن ترتقي على أسس حقيقية لا زائفة.