بكر عبدالله العبدالمحسن

الفقر هو الاحتياج في عمومه، وينصرف في معناه الخاص إلى النقص والعجز المادي لتأمين مستلزمات المعيشة الضرورية لفئة من الناس، ونادرا ما يتم التطرق أو النظر إلى شمولية مصطلح الفقر في مجالات العلم أو الثقافة أو القيم أو الأخلاق وانحصار وتضييق المصطلح على تلك الفئة من المجتمع التي لجأت إلى الدخول في عالمه؛ من أجل كسب عواطف الجهات الخيرية وأهل العطاء في رعايتهم ومد يد العون لهم ماديا وتقديم كافة التسهيلات والمساعدات في قضاء حوائجهم، فهذا المعنى فيه ظلم وتجنٍ كبير لمفهوم الفقر وجعله سمة أحادية وعند اطلاقه فهو يعني أن من نراهم يمدون الأيدي ويسألون الناس عند المساجد والأماكن العامة والطرقات والأسواق هم المعنيون بهذا الوصف فقط.

وحصر مفهوم الفقر في تأمين الاحتياجات الأساسية في المأكل والمأوى يجعل من كافة المجتمع في الجهة المقابلة للفقر وهو الغنى وهي سِمة يتباهى بها أغلب الناس من أجل إظهار عدم عجزهم واحتياجهم لأحد وهم من الظاهر يتفننون في لباسهم ومأكلهم ومسكنهم ومركبهم ومن الباطن يعانون من نقص العلم والثقافة والحكمة والخلق الحسن والقيم المثلى والسعادة والصحة من أجل ابعاد شبح ذلك الوصف المتدني عنهم ظنا منهم أنهم حققوا إنجازا كبيرا وأن هذا هو غايتهم فقط وما عداه احتياجات فوق الرفاهية والمثالية فإن توفرت فلا بأس بها وإن أهملت فلا أحد ينظر إليها.

وإن الرفاهية ورغد العيش في بلادنا جعلت فئة من الناس يكون أسلوب حياتها معتمدا على الجهات الخيرية والضمان الاجتماعي أو حوافز التعطل وهذه الفئة من المجتمع لديها مهارات بارعة في فنون وطرق شتى في استعطاف وخداع كافة شرائح المجتمع والجهات الرسمية من الحيل والممارسات لمساعدتهم، وهي المثابرة على تحمل التعب والمصاعب وتكرار المحاولات والبحث المستمر عن الأساليب المبتكرة من أجل المحافظة على استفقارها.

فالفقر يصنع لصوصا محترفة في مهنتها التي وجدتها في أرضية مجتمعها العاطفي الذي يُنمي الفقر المادي ويجعله يتكاثر بلا وعي ولا إدراك ويجعل شريحة المستفقرين تتطور وتنمو وتتكيف مع كل مرحلة من مراحل برامج العلاج الوطني وتستفيد من كل نقطة ضعف من دون أن يأخذ المجتمع على عاتقه مسؤولية الارتقاء بهم وتغيير مسار تفكيرهم والعمل الجاد على توجيههم وتعديل مسميات جمعياتنا الخيرية إلى جمعيات تأهيل وتنمية العمل والإنتاج.

أخيرا.. ستبقى قضية الفقر والفقراء جزءا مهما وحيويا من تفاعلات الإنتاج والاقتصاد والبناء الوطني والإنساني في أي مجتمع ودولة، وسوف تبقى قضية اصلاح مشكلة الفقر وتوفير احتياجات الفرد من الأساسيات هي القاعدة الرئيسية التي يُمكن أن نعتمد عليها وننطلق منها في معالجة درجات ما بعده واشباع جميع متطلبات الحياة العصرية من نقص الحب والثقافة والعلم والأخلاق والتفوق والإبداع وحينها لن يصنع الفقر لصوصا ولن يكون للحب شعراء.