عبدالعزيز الذكير

الكثير من المفردات، في لهجتنا الدارجة يتضاءل استعماله بمرور الزمن. أما بسبب إحلال مرادف محل آخر، أو بكون المفردة فقدت معناها واستعمالاتها.

ووجدت الأدبيات مجالا واسعا في إجراء بحوث ونشر تتعاطى هذه المسألة. وفي المكتبات بحوث ومسارد تسوق آراء. حتى إن الإنجليزية أعطتنا معاجم في اللهجات المحلية عبر المملكة المتحدة.

وتأتي في بالي بهذه المناسبة مفردة (جلا) فهي معروفة وواردة في الفصحى، لكن استعمالها بالعامية يعني: السفر القسري، أو بسبب الجدب والفقر، أو بسبب حرب أو نزاع قبلي.

واعتادت السلطات قديما أن تُطبق النفي على من أساء، لكن عامة الناس يقولون عن ذلك (مْجَلّا) أي مطرود من الديرة.

ويذهب المُجلّى إلى بلدة أخرى تقبله (ما أدري وش ذنبها)

ومفردة «جلوي» التي يستعملها العامة هنا ليست فصحى، ولا أثر لها في المعاجم.

لكن «جلا» القومُ عن أَوطانهم يَجْلُون وأَجْلَوْا إِذا خرجوا من بلد إِلى بلد. والكلمة الأخيرة فصحى، تعني الترحيل القسري أو الطرد، أو النفي.

وأرى الآن المسألة انعكست تماما. فالمسيء أو من عليه ملاحظة سياسية في شرقنا العربي يُمنع من السفر،أي أن الموضوع استدار 180 درجة، وهذا قبول شكلي بوجوده بيننا، مع كونه مرفوضا ضمنيّا.

وفي بعض البلاد العربية التي جاء العسكر فيها إلى الحكم، نجد أن شركاء الزعيم الذين اشتركوا معه في إسقاط الحكم السابق يتخلص من شركائه بطريقة مهذبة أو مصقولة، فوجدناهم يرسلونهم «سفراء» في بلاد بعيدة أي: «مجلّي» أو منفي، لكن بذوق.

وسألتُ نفسي ذات مرة هل يُمنع من السفر سويسري يقيم بين مونترو وجنيف..؟! أو ماذا لو صدرت لائحة الممنوعين من السفر في فرنسا - مثلا - وضمت اسم رجل مقر سكنه «نيس» أو «كوت دازور» أو سان تروبيز في جنوب فرنسا. أو ماربيا في أسبانيا. هل ترون أنه سوف يبذل الجهد ويبحث عن واسطة لإزالة اسمه من قائمة الممنوعين من السفر؟.

وعن كثرة قوائم الممنوعين من ركوب الطائرات، في أوربا وأمريكا، في السنين الأخيرة، تشابكت الأمور نتيجة تضارب قوائم شركات الطيران وسوء تحديثها. وتدخلت أكثر من جمعية حقوقية، وجماعات حقوق الإنسان. وأشارت تلك الجماعات إلى وجود العديد من حالات حدوث أخطاء في تحديد هويات الأشخاص، إذ تتشابه أسماء البعض مع تلك العائدة لأفراد موجودين على قوائم الخاضعين لإجراءات أمنية إضافية أو حتى الممنوعين من السفر.