كلمة اليوم

يتضح بجلاء من خلال تضاعيف الإعلان الإيراني بتجاوز تخصيب اليورانيوم إلى نسب أعلى من النسبة المقررة ضمن الاتفاق النووي الإيراني أن طهران ماضية في تصعيد التوترالقائم ليس بينها وبين واشنطن فحسب بل بينها وبين دول الاتحاد الأوروبي، فقد أعلن النظام الإيراني جهارا عن التخلي تماما عن أي التزام لتحديد نسبة التخصيب وأن عمليته لن تقف عند نسبة محدودة، بل ذهب النظام إلى أبعد من ذلك بعدم تقليصه لنسبة التخصيب الحالية، وربط هذا التجاوز بشكل موغل في الخطأ بعدم انتهاك الاتفاق النووي، وهو ربط يقترن بممارسة المراوغات المعهودة عن النظام، فخلال ساعات قليلة من انقضاء المعاهدة حول البرنامج النووي الإيراني المبرمة في يوليو 2015 عمد النظام إلى رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى مستوى أعلى من مستوى الاتفاق الذي جاء في المعاهدة.

ويدل ذلك بوضوح على أن طهران ليست لديها نية في إنقاذ الاتفاق النووي ضمن أية مبادرة عقلانية، بل إن التصريح دون التلميح بتشغيلها لمفاعل «بو شهر» ومعاودتها لتشغيل مفاعل «أراك» النوويين يعقدان الأمر ويدخلانه في نفق مظلم ليس من السهل التكهن بالخروج منه بسهولة لاسيما في أعقاب الإعلان بأن إيران مستعدة تماما لتخصيب اليورانيوم لأي مستوى وبأي كمية، وهو إعلان يمثل تحديا صارخا وسافرا للقرارات الأممية ذات الصلة، وقد تعودت طهران أن تضرب بتلك القرارات عرض الحائط.

ولاشك أن القرار الإيراني المتعلق بتخصيب اليورانيوم بمستويات أعلى من الحد الذي تم الاتفاق عليه بموجب المعاهدة حول البرنامج النووي لا يعد تحديا لتلك المعاهدة فحسب بل هو تحدٍ لإرادة المجتمع الدولي وتحدٍ للسلم والأمن الدوليين، كما أن استئناف طهران لتشغيل المفاعلين النوويين «بوشهر وأراك» أدى إلى تعقيد الأزمة القائمة حول السباق الإيراني المحموم لامتلاك الأسلحة النووية، كما أن رفعها لمخزون الماء الثقيل إلى أكثر من الحد المسموح به وفق الاتفاق النووي أدى هو الآخر إلى مزيد من التعقيد، ويبدو أن طهران بتلك الممارسات الخارجة عن أي التزام تعلن أنها في حل من المهلة التي حددتها دول المجموعة الأوروبية للدخول في المرحلة الثانية من تقليص التزاماتها النووية.

ومن المستبعد أن يصل مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة المقررعقده يوم الأربعاء القادم في أعقاب إعلان إيران عن رفعها لنسبة تخصيب اليورانيوم إلى أي حل قد ينهي الأزمة العالقة، فالممارسات الإيرانية المكشوفة للتملص من أي عهد وقعت عليه يكشف عن استمرارية النظام في انتهاكه لأي اتفاق معلن، كما يكشف في ذات الوقت عن سخريته من القرار الأممي 2231 وهو المتعلق باحترامه لنسب التخصيب المسموح بها وفقا للبرنامج النووي الإيراني، وممارسة تلك الانتهاكات تشير إلى تصاعد التوتر كما تشير في الوقت ذاته إلى أهمية اتخاذ الخطوات الضرورية اللازمة من قبل المجتمع الدولي لكبح جماح ذلك البرنامج ووقف تجاوز نسب تخصيبه وانتهاكها.