المعاقون حركيا أكثر تعرضا للمشكلات النفسية
أكد الأخصائي النفسي أحمد المصلحي أن المعاقين حركيًا أكثر تعرضًا للمشكلات النفسية، وذلك لتأثير إعاقاتهم في منعهم كثيرًا من الأحيان من ممارسة أنشطتهم، حتى ولو باستخدام الأجهزة التعويضية، والتي بدورها لا تقلل من شعورهم باليأس والإحباط، وهذا ما يفسر شيوع مشكلة «أعاني من عدم القدرة على حل مشكلاتي بنفسي بسبب الإعاقة».
وقال المصلحي: «كما يمكن تفسير ذلك أن غالبية الناس يتعاملون مع المعاق حركيًا من منطلق الإحسان والشـفقة لا من منطلق العقل والفهم، وبالتالي تُلبّى كل حاجات المعاق حركيًا دون محاولة تعريفه بحقـوقه وواجباته ولا حتى مساعدته بالصبر عليه في قضاء حاجاته دون ضغط أو مزايدة، إن نزعة الحماية المفرطة هذه لا تسمح للمعاق بكسب ثقته في نفسه والاعتماد على ذاته في العيش، كما أرى أن غياب الدعم المقدم من الأسـرة، والأصدقاء، والمجتمع يؤدي لتكوين مفهوم سلبي للذّات لدى المعاقين حركيا».
مضيفًا إن الدعم المقدم من المنزل والمدرسة والمجتمع يساعد في تكوين مفهوم إيجابي للذات لدى المعاقين حركيًا، وهذا ما يؤكد أن غياب هذا الدعم يؤدي إلى عجز المعاق عن حل مشكلاته وتكوين ذات سلبية لديه.
وقال المصلحي: «إن المجتمع وجب أن يعي ضرورة مساعدة هؤلاء المعاقين على تخطي الصعاب انطلاقا من مبدأ الإنسانية أولًا، ومن مبدأ المسؤولية ثانيًا، لتحقيق الغاية الكبرى وهي أن يعيش الفرد وهو يتمتع بحقوقه كاملة سـواء كـان معاقًا أو سويًا. مضيفًا إن للأسرة دورًا بارزًا في مساعدة المعاق على تخطي الإعاقة أو التقليل من تأثيراتها السلبية عليه، أو جعل هذه الإعاقة من العوامل الرئيسة التي تسبب له العزلة وعدم الثقة بنفسه وعدم القدرة على التفاعل مع مجتمعه، فالأسرة التي تساعد ابنها المعاق بتدعيمه وتطوير قدراته وزيادة ثقته بنفسه وتشجيع استقلاليته وغرس القيم الجيدة لديه، فإنه سيستطيع أن يتخطى تأثيرات الإعاقة السلبية عليه والتي تعترضه».
الولادة المبكرة ونقص الأكسجين أبرز أسباب الإصابة بالإعاقة الحركية
الصرع يداهم 50% من الأطفال المصابين
يصيب الصرع نسبة كبيرة تصل إلى حوالي 50% من ذوي الشلل الدماغي؛ نتيجة لتلف الخلايا أو التشوهات الخلقية للدماغ، وفقًا لرئيسة قسم الفسيولوجيا العصبية في مدينة الملك فهد الطبية د. لمياء جاد. وقالت: «رغم أن الشلل الدماغي يُعرف بأنه اضطراب في التطور الحركي نتيجة لإصابة مراكز الحركة أو جزء منها في الدماغ، إلا أنه قد تصحبه اضطرابات أخرى نتيجة لتلف مراكز تخص وظائف أخرى للمخ وأهم الاعتلالات المصاحبة هي التخلف الذهني، وصعوبات التعلم، وضعف الإبصار وضعف السمع». وأضافت: «قد يتوقع أن الطفل قد يصاب بالشلل الدماغي منذ ولادته أو قبل الولادة نتيجة للولادة المبكرة أو ملاحظة تشوهات بالدماغ خلال الكشف بالأشعة الصوتية أثناء الحمل أو بسبب مرض وراثي معروف لدى الطبيب. في هذه الحالات يلاحظ الطفل عن كثب قبل طبيب الأطفال لمتابعة تطوره في جميع المحاور الحيوية». وفي حال عدم وجود سبب عند الولادة أو بعدها مباشرة لتوقع الشلل الدماغي، دعت جاد الأهل إلى سرعة إحضار الطفل للطبيب بسبب عدم اكتسابه القدرات الحركية في الوقت المناسب، أو لعلة مصاحبة كالصرع أو عدم التركيز بالبصر في هذه الحالة يراجع الطبيب مع الأبوين مسيرة الحمل والولادة والأمراض الوراثية لدى العائلة ويطلب للطفل أشعة للدماغ، وإن لم يتضح السبب، قد يطلب تحاليل كالكرموسومات والأحماض العضوية والأمينية بالدم والبول.
أكد مدير عام جمعية المعاقين بالمنطقة الشرقية (إيفاء) عبدالعزيز المحبوب أن إعاقة الشلل الدماغي تؤثر على الحركة وأوضاع الجسم، وهي تنتج عن ضرر يلحق بالدماغ قبل ولادة الطفل أو عند ولادته أو بعدها ولا يصيب الدماغ ككل، بل من الممكن أن يصيب جزءًا منه، وتكون الإصابة عادة في الأجزاء المتحكمة في الحركات، «ولهذا جاء دور جمعية إيفاء لخدمة ورعاية مثل هذه الحالات التي تُعدّ من الإعاقات التي تمثل عبئًا كبيرًا على الأسرة».
وقال المحبوب: «إن الجمعية تعمل منذ ما يربو على 25 عامًا وفق إستراتيجية هادفة لخدمة الأطفال المعاقين حركيًا والمصاحبة إعاقاتهم بإعاقات نمائية أخرى بجانب برامجها التأهيلية الأخرى للبالغين في مجالات العلاج الطبيعي والوظيفي والأطراف والجبائر».
مشيرًا إلى أن الجمعية انتهجت هذه الإستراتيجية التأهيلية لكثرة أعداد المصابين بها وندرة التخصصات والخدمات التي تقدم لهم، مبينًا أن الجمعية تعمل على تأهيل هذه الحالات وفق برنامج التأهيل الذي يتلقى فيه الطالب وحدات الرعاية النهارية والتأهيل المهني والتأهيل ضمن المجتمع وجميع البرامج التأهيلية ممثلة في برامج العلاج الطبيعي والوظيفي والنطق والتخاطب والتأهيل البدني والرياضي والنفسي والاجتماعي والترفيهي وغيرها.
وأضاف: «ينتظم في وحدات الرعاية النهارية بالجمعية ما بين 250 - 300 طالب وطالبة سنويًا كلهم يتلقون برنامج التأهيل الشامل من الصباح حتى الساعة 12 ظهرًا، مضيفًا إن تواجد الطالب خلال فترة الصباح وحتى الظهر في الجمعية ثم يعود بعدها إلى محيط أسرته ومجتمعه يكتسب المزيد من الخبرات المجتمعية، بحيث لا يكون معزولًا عن المجتمع الذي يعيش فيه، وبهذا يكون دور الأسرة مكملًا للدور الذي تقوم به الجمعية فيكتسب عاداته وتقاليده».
وأضاف: «إن الجمعية تستقبل الطفل من لحظة مولده للتعرف على نوع الإعاقة التي يعاني منها، حيث يتم فحص الطفل من قِبَل الفريق الطبي المتعدد التخصصات، وفي حالة تشخيص حالته بأنها شلل دماغي يتم قبوله بوحدة التأهيل ضمن المجتمع التي تقبل الطفل من لحظة الميلاد وحتى سن ست سنوات من خلال برنامج التدخل المبكر وغيره من البرامج التأهيلية المناسبة، بعدها ينتقل الطفل إلى وحدة الرعاية النهارية (ذكور)، فيتعلم فيها بعض المعارف الأكاديمية ويتلقى برنامج التأهيل الشامل حتى سن تسع سنوات، ينتقل بعدها إلى الرعاية النهارية (ذكور)، ويظل بها حتى سن 14 سنة، ثم ينتقل بعدها إلى التأهيل المهني، وخلال هذه المراحل مجتمعة يكون الطالب قد اكتسب الكثير من التدريبات والمعارف التي تؤهله للاندماج في المجتمع المحيط به».
أكد استشاريون في جراحة المخ والأعصاب أن مرض الشلل الدماغي يصيب طفلًا بين كل 500 في مراحل الطفولة الأولى بالمنطقة العربية، فيما لخصت دراسة قام بها مجموعة من الأطباء في المملكة أخيرا، أن عدد الأطفال المصابين بالشلل الدماغي 23.4 لكل عشرة آلاف طفل في المملكة، معتبرين أن الشلل الدماغي هو ثاني أعلى إعاقة لدى الأطفال على مستوى المملكة. وأوضحوا أن الشلل الدماغي عبارة عن اضطراب في الحركة أو التوتر العضلي أو الوضعية يحدث بسبب الضرر الذي يقع للدماغ المتنامي غير الناضج، في أغلب الأحيان قبل الولادة، مشيرين إلى أن العلامات والأعراض تظهر في سنوات الرضاعة أو ما قبل المدرسة. كما يتسبب شلل الدماغ في ضعف الحركة المرتبط بردود الفعل المفرطة أو ليونة الأطراف والجذع أو صلابتها أو وضعية الجسم غير الطبيعية أو الحركات اللاإرادية أو عدم الثبات أثناء المشي أو مجموعة من هذه الأعراض. وأشاروا إلى أن تأثير الشلل الدماغي يتباين على القدرات الوظيفية بشكل كبير، حيث يمكن لبعض الأشخاص المصابين به السير بينما لا يستطيع آخرون. ويظهر بعض الأشخاص قدرة فكرية طبيعية أو شبه طبيعية، ولكن قد يعاني البعض الآخر من إعاقات ذهنية، كذلك، ويتضمن تأثير شلل الدماغ الصرع أو العمى أو الصمم.
قال أخصائي نطق وتخاطب بجمعية إيفاء خالد جعفر: إن مشكلات الطفل المصاب بالشلل الدماغي تتلخص في عدم قدرته على تنفيذ الأوامر والتعليمات البسيطة وعدم التعرف على الأشياء مثل أعضاء جسم الإنسان وعدم القدرة على فهم الجمل، وعدم قدرته على التعبير عن نفسه، وقد يصدر بعض المقاطع الصوتية أو كلمات منفردة يعبّر بها عن حاجته وأحيانًا يتكلم جُملًا بسيطة التركيب.
مضيفًا إنه في بعض الأحيان يكون الطفل غير قادر على التحدث واستخدام اللغة المنطوقة أو غير القادرة على اكتساب اللغة المنطوقة لهذا نصب اهتمامنا على كيفية تواصله مع الآخرين، وزيادة قدرته الإدراكية وليس الكلام بحد ذاته، «كما يمكننا أن نتواصل معه عن طريق الصور والإشارات أو اللوحات وتطبيقات التواصل البديل للتعبير عن حاجته بأفضل وسيلة لتأهيله وتطوير قدرته الاتصالية، مع ملاحظة أن كل طفل لديه قدرات يمكن البدء من خلالها والعمل على تطويرها لكي يحقق قدرًا من التواصل والتأهيل».
وردًا على سؤال قال المصلحي: «على الأبوين أن يتحدثا مع طفلهما بقدر الإمكان وحتى إذا لم يكن قادرًا على النطق فسيساعد ذلك على تنمية مهاراته الإدراكية، كما يجب عليهما أيضًا أن يحافظا على التواصل البصري مع الطفل وتشجيعه للتواصل مع الآخرين وتنمية مهارات الإنصات والانتباه والتقليد والمحاكاة؛ لأنها أول الطريق للإدراك والتعبير، أما إذا كان الطفل يعاني من صعوبة شديدة بالحركة والكلام ولا يعبر بأي كلمات فابدأ بتعليمه استخدام صوت واحد أو حركة واحدة للتعبير عن الموافقة والدلالة على الكلمة بنعم وصوت آخر بالإيماءة لعدم الموافقة، وكلمة لا لتحسين التواصل ومعرفة رغبته».
يتطور الأطفال الذين لديهم شلل دماغي حركيًا مع العلاج المستمر، ولكن يصعب التنبؤ إلى أي مرحلة يصل التطور. كما أن قدرة الطفل الذهنية عامل هام لاستجابته ومشاركته في برنامج التأهيل.
ورغم أن خلايا الدماغ التالفة لا يمكن تعويضها أو تجديدها إلا أن خلايا غير مصابة في مناطق أخرى من الدماغ يمكنها التدرب على وظائف الجزء التالف، وذلك يكون حسب درجة وشدة الإصابة وانتشارها بالمخ.
وعليه فمن الضروري تحديد مقدرة الطفل ذهنيًا عن طريق عمل اختبار ذكاء، وذلك في مرحلة مبكرة قبل سن الرابعة حتى يمكن إدراجه في البرنامج التعليمي الأمثل له.
ويفضل دمج الأطفال ذوي الذكاء الطبيعي في مدارس الأطفال العادية مع أقرانهم الأسوياء إن أمكن، وتوفير متطلباتهم التنقلية كالمدارج ودورات المياه المخصصة (من الضروري أن تكون المنشآت في أي مرفق عام معدة لاستقبال ذوي الاحتياجات الخاصة)، كذلك ما يساعدهم من أدوات لتلقي وتطبيق ما يدرسونه. وهكذا فإن الطفل المصاب بالشلل الدماغي ذو احتياجات كثيرة ومتعددة، ويحتاج إلى تخصصات متنوعة للأخذ بيده ليصل إلى حياة كريمة أقرب ما تكون إلى الحياة الطبيعية.
التشخيص وخطة التأهيل
وأضافت لمعي إنه ينبغي أن يتم عرض الطفل على الطبيب المختص في أقرب فرصة، وذلك للتشخيص المبكر للحالة حتى يتسنى البدء في خطة التأهيل اللازمة تفاديًا لحدوث أي مضاعفات في حالة تأخير التشخيص، مشيرة إلى أن خطة التأهيل في حالات الشلل الدماغي تشمل: تنمية القدرات الحركية ومنع التشوهات، وتطوير المهارات اللغوية والإدراكية والاستقلالية الذاتية حتى يصبح الطفل قادرًا على الاعتماد على نفسه، وذلك تحت إشراف فريق التأهيل الطبي.
رعاية المصابين عبر «التدخل المبكر» و«التأهيل الشامل»
أكدت رئيسة قسم الفسيولوجيا العصبية في مدينة الملك فهد الطبية د. لمياء جاد أن الشلل الدماغي اضطراب في الحركة نتيجة لإصابة في الدماغ خلال فترة تكوين الجنين ونموه، حيث (يبدأ خلق المخ في الأسبوعين الثالث والرابع للحمل وينتهي في السنة الثالثة بعد الولادة)، هذه الإصابة للمخ دائمة، لا تزيد ولا تسوء مع الزمن ولكن قد يحدث تغيّر في حالة الطفل الحركية مع مرور الوقت. وعن الفترة اللازمة لظهور المرض وكيفية ظهوره، قالت: «يظهر الشلل الدماغي في 2.1 إلى 2.5 طفل في كل ألف طفل، وقد تحدث إصابة الدماغ أثناء فترة الحمل أو أثناء الولادة أو بعد الولادة، أما إصابات ما قبل الولادة فقد تكون نتيجة موروثات جينية تسبب تشوهات في الدماغ أو نتيجة لالتهاب يصيب دماغ الجنين بسبب إصابة الأم بفيروس أو طفيل كالحصبة الألمانية أو داء القطط، أو قد يكون نتيجة جلطة في الأوعية الدماغية للجنين حدثت أثناء الحمل». وأضافت: «عادة ما تحدث الإصابات أثناء الولادة نتيجة لنقص الأكسجين عن مخ الوليد لعدة أسباب قد تكون منها نزف الأم، أو انفصال المشيمة، أو انعقاد الحبل السري أو التفافه حول رقبة الطفل أو كبر حجم الطفل وتعسر الولادة أو كون الطفل أساسًا غير طبيعي ولا يتحمل عملية الولادة، وفي الفترة الأخيرة أصبحت الولادة المبكرة سببًا هامًا في حدوث الإصابة، حيث إن أوعية الخديج (الطفل المولود مبكرًا) الدماغية لا تستطيع التحكم في تدفق الدم إلى الدماغ، فيتسبب بنقص الأوكسجين، وهذه الفئة تشكل جزءًا كبيرًا من ذوي الشلل الدماغي في هذا العصر، خاصة مع تطور الأساليب للإبقاء على هذه الفئة حية».
وأردفت: «أما بالنسبة لإصابته بالشلل الدماغي بعد الولادة فأوضحت د. لمياء أنها تتنوع أسبابه فقد تكون نتيجة لالتهابات السحايا والدماغ أو لإصابات مباشرة في الرأس نتيجة التعرض لحادث أو اختناق بسبب الغرق مثلًا».
مشيرة إلى أن الشلل الدماغي يصنف حسب تأثيره على الحركة إلى شلل دماغي تشنجي ويشكل النسبة الأعلى وتكون فيه العضلات مشدودة ومتصلبة. والشلل الدماغي الرخو يكون فيه الطفل رخوًا لينًا لا يستطيع صلب نفسه، والشلل الدماغي الكنعاني وفيه تتحرك عضلات المريض باستمرار مانعة ومعارضة بذلك حركات المريض اللاإرادية. والشلل الدماغي الترنحي يعاني المريض فيه من فقدان التوازن والميلان (الترنح) من جهة إلى أخرى عند الحركة.
واستطردت: «يوصف أيضًا الشلل الدماغي بحسب أجزاء الجسم المصابة به، فعلى سبيل المثال الشلل الدماغي الثنائي (السفلي) وتكون فيه الأرجل أكثر إصابة من الذراعين، وينتشر هذا النوع بين الأطفال الخدج، والشلل الدماغي النصفي ويكون نصف الجسم مصابًا والذراع أشد إصابة من الساق، بالإضافة إلى الشلل الدماغي الرباعي وفيه تكون الأطراف الأربعة متأثرة بنفس الدرجة».
قال استشاري المخ والأعصاب بمستشفى الملك فهد الجامعي بالخبر د. إبراهيم اللويمي: إن أهم الصعوبات التي قد تواجه الطفل المصاب بتلك الحالة أنه قد يعاني من عدة صعوبات كأن يؤثر على حركة العضلات المختصة بالنطق، فلا يتمكن الطفل من التعبير عن ذاته بالكلام رغم ارتفاع مقدرته الذهنية، وتأثر الحديث يكون على درجات فقد لا يتمكن الطفل من النطق بتاتًا أو تصعب عليه بعض مخارج الحروف أو أن يكون صوته ضعيفًا ومبحوحًا.
وقال اللويمي: «من المحتمل أن يعاني الطفل من تعقيدات في البلع والتنفس فعادة ما تتأثر حركة العضلات المختصة والمنسقة للبلع، وتلك التي تمنع دخول الغذاء عند البلع إلى القصبة الهوائية فيدخل الطعام إلى الجهاز التنفسي، ويصاب الطفل بالتهابات صدرية متكررة ومزمنة، وقد يحدث ارتجاع للغذاء أو الحمض من المعدة إلى الجهاز التنفسي ليسبب نفس الأعراض أو أعراضًا تشبه أعراض الربو».
مشيرًا إلى أنه يحدث لدى الأطفال المصابين بالشلل ضعف في النمو وصعوبات في التغذية نتيجة لأسباب مختلفة ومجتمعة منها صعوبة إطعام الطفل لعدم استطاعته المضغ أو البلع بصورة صحيحة ومجدية، واحتياجه إلى سعرات أكثر من أقرانه في بعض الأحيان؛ بسبب حرق أكثر للسعرات الحرارية نتيجة لانقباض العضلات المستمرة.
وأكمل اللويمي موضحًا الصعوبات فقال: «كنتيجة لإصابة بعض الأطفال باختلال الحركة وعدم توازن العضلات، فقد يتسبب ذلك بتشوهات في المفاصل والعمود الفقري والقفص الصدري خاصة إن لم يواظب الطفل على العلاج الطبيعي ووضع المريض على المقعد أو السرير في وضع صحيح، وإن كان الطفل بحاجة إلى كرسي متحرك لعدم قدرته على المشي فيجب أن يفصل حسب احتياجه ومقاسه. فمثلًا يرفع ظهر الكرسي ليصل إلى أعلى الرقبة أو الرأس إذا كانت هناك رخاوة تمنع استقامة الرقبة ووضع حواجز جانبية تمنع سقوط (تدلي الرأس) وأيضًا تفصل الأحزمة الكتفية للعربة ليبقى الظهر مستقيمًا».
اختلال حركة العضلات وتشوهات المفاصل
احرصوا على الحديث مع أبنائكم
أخصائي
نطق وتخاطب:
المسؤولية المجتمعية والإنسانية
شدد استشاريو مخ وأعصاب على أهمية إخضاع الحالات المصابة بشلل الأطفال للعلاج عن طريق فريق طبي ذي تخصصات متعددة حسب احتياجات الطفل، مشيرين إلى أنه ليس كل طفل مصابًا بالشلل الدماغي كالآخر في قدراته واحتياجاته.
ويشمل فريق الأطباء طبيب أعصاب الأطفال وطبيب تأهيل وطبيب عظام وطبيب عيون وطبيب جهاز هضمي وتنفسي وأخصائيي علاج طبيعي ووظيفي وأخصائيي الأجهزة المساعدة والنطق والتخاطب، بالإضافة إلى أخصائيين نفسيين، كما يشترك في رعاية هؤلاء الأطفال المؤسسات التعليمية، ويُوجَّه ذووهم إلى المؤسسات المختصة والأخصائيين الاجتماعيين.
وقالت استشارية في الطب الطبيعي والتأهيل د. مريم لمعي: يفضل إدراج الطفل من الشهور الأولى إلى ما دون سن الخامسة في برنامج التدخل المبكر، حيث يتلقى فيه الطفل العلاج الطبيعي والوظيفي وعلاج النطق والتخاطب ويراقب تطوره الذهني ويدرس حسب قدراته الذهنية، وبعد سن الخامسة يدرج الطفل حسب إمكانياته الذهنية والحركية إلى المدارس ومراكز التأهيل الشاملة المناسبة.
وأوضحت لمعي أنه حتى لا يحصل تيبس في المفاصل يجب المتابعة على علاج الشد المصاحب للشلل الدماغي منذ الصغر؛ وذلك لمنع حصول التيبس، والذي يمنع حركتها أو يؤدي إلى تشوّهات، وحتى تبقى المفاصل مرنة استعدادًا لاستخدامها عندما يتطور الطفل حركيًا للمرحلة التي بعدها، كالتطور من الحبو إلى المشي، فيما يبدأ علاج شد العضلات عادة بالعلاج الطبيعي وقد تستخدم أدوية استرخاء مثل الباكلوفين أو حقن البوتكس، وتكون العملية الجراحية لنقل أو إرخاء الأوتار من قبل طبيب العظام حلًا متأخرًا، كما يجب متابعة العلاج الطبيعي بعد العملية.
العلاج يتطلب فريقا طبيا ذا تخصصات متعددة
دمج ذوي الذكاء الطبيعي مع أقرانهم الأسوياء
مؤشرات لاكتشاف إصابة الطفل بالشلل الدماغي
8
1- تكون اليد مقبوضة دائمًا بعد الشهور الثلاثة الأولى.
2- استعمال يد أكثر من الأخرى قبل 18-24 شهرًا.
3- الوقوف أو المشي المستمر على أطراف أصابع القدم.
4- عدم التكافؤ في الحركة بين الجهتين اليمنى واليسرى.
5- الحبو بجر أرجله خلفه (حبو الجندي).
6- الرخاوة الزائدة.
7- الشد الزائد.
8- عدم اكتساب الطفل قدراته الحركية في الوقت المناسب.
أكد الأخصائي النفسي أحمد المصلحي أن المعاقين حركيًا أكثر تعرضًا للمشكلات النفسية، وذلك لتأثير إعاقاتهم في منعهم كثيرًا من الأحيان من ممارسة أنشطتهم، حتى ولو باستخدام الأجهزة التعويضية، والتي بدورها لا تقلل من شعورهم باليأس والإحباط، وهذا ما يفسر شيوع مشكلة «أعاني من عدم القدرة على حل مشكلاتي بنفسي بسبب الإعاقة».
وقال المصلحي: «كما يمكن تفسير ذلك أن غالبية الناس يتعاملون مع المعاق حركيًا من منطلق الإحسان والشـفقة لا من منطلق العقل والفهم، وبالتالي تُلبّى كل حاجات المعاق حركيًا دون محاولة تعريفه بحقـوقه وواجباته ولا حتى مساعدته بالصبر عليه في قضاء حاجاته دون ضغط أو مزايدة، إن نزعة الحماية المفرطة هذه لا تسمح للمعاق بكسب ثقته في نفسه والاعتماد على ذاته في العيش، كما أرى أن غياب الدعم المقدم من الأسـرة، والأصدقاء، والمجتمع يؤدي لتكوين مفهوم سلبي للذّات لدى المعاقين حركيا».
مضيفًا إن الدعم المقدم من المنزل والمدرسة والمجتمع يساعد في تكوين مفهوم إيجابي للذات لدى المعاقين حركيًا، وهذا ما يؤكد أن غياب هذا الدعم يؤدي إلى عجز المعاق عن حل مشكلاته وتكوين ذات سلبية لديه.
وقال المصلحي: «إن المجتمع وجب أن يعي ضرورة مساعدة هؤلاء المعاقين على تخطي الصعاب انطلاقا من مبدأ الإنسانية أولًا، ومن مبدأ المسؤولية ثانيًا، لتحقيق الغاية الكبرى وهي أن يعيش الفرد وهو يتمتع بحقوقه كاملة سـواء كـان معاقًا أو سويًا. مضيفًا إن للأسرة دورًا بارزًا في مساعدة المعاق على تخطي الإعاقة أو التقليل من تأثيراتها السلبية عليه، أو جعل هذه الإعاقة من العوامل الرئيسة التي تسبب له العزلة وعدم الثقة بنفسه وعدم القدرة على التفاعل مع مجتمعه، فالأسرة التي تساعد ابنها المعاق بتدعيمه وتطوير قدراته وزيادة ثقته بنفسه وتشجيع استقلاليته وغرس القيم الجيدة لديه، فإنه سيستطيع أن يتخطى تأثيرات الإعاقة السلبية عليه والتي تعترضه».
الولادة المبكرة ونقص الأكسجين أبرز أسباب الإصابة بالإعاقة الحركية
الصرع يداهم 50% من الأطفال المصابين
يصيب الصرع نسبة كبيرة تصل إلى حوالي 50% من ذوي الشلل الدماغي؛ نتيجة لتلف الخلايا أو التشوهات الخلقية للدماغ، وفقًا لرئيسة قسم الفسيولوجيا العصبية في مدينة الملك فهد الطبية د. لمياء جاد. وقالت: «رغم أن الشلل الدماغي يُعرف بأنه اضطراب في التطور الحركي نتيجة لإصابة مراكز الحركة أو جزء منها في الدماغ، إلا أنه قد تصحبه اضطرابات أخرى نتيجة لتلف مراكز تخص وظائف أخرى للمخ وأهم الاعتلالات المصاحبة هي التخلف الذهني، وصعوبات التعلم، وضعف الإبصار وضعف السمع». وأضافت: «قد يتوقع أن الطفل قد يصاب بالشلل الدماغي منذ ولادته أو قبل الولادة نتيجة للولادة المبكرة أو ملاحظة تشوهات بالدماغ خلال الكشف بالأشعة الصوتية أثناء الحمل أو بسبب مرض وراثي معروف لدى الطبيب. في هذه الحالات يلاحظ الطفل عن كثب قبل طبيب الأطفال لمتابعة تطوره في جميع المحاور الحيوية». وفي حال عدم وجود سبب عند الولادة أو بعدها مباشرة لتوقع الشلل الدماغي، دعت جاد الأهل إلى سرعة إحضار الطفل للطبيب بسبب عدم اكتسابه القدرات الحركية في الوقت المناسب، أو لعلة مصاحبة كالصرع أو عدم التركيز بالبصر في هذه الحالة يراجع الطبيب مع الأبوين مسيرة الحمل والولادة والأمراض الوراثية لدى العائلة ويطلب للطفل أشعة للدماغ، وإن لم يتضح السبب، قد يطلب تحاليل كالكرموسومات والأحماض العضوية والأمينية بالدم والبول.
أكد مدير عام جمعية المعاقين بالمنطقة الشرقية (إيفاء) عبدالعزيز المحبوب أن إعاقة الشلل الدماغي تؤثر على الحركة وأوضاع الجسم، وهي تنتج عن ضرر يلحق بالدماغ قبل ولادة الطفل أو عند ولادته أو بعدها ولا يصيب الدماغ ككل، بل من الممكن أن يصيب جزءًا منه، وتكون الإصابة عادة في الأجزاء المتحكمة في الحركات، «ولهذا جاء دور جمعية إيفاء لخدمة ورعاية مثل هذه الحالات التي تُعدّ من الإعاقات التي تمثل عبئًا كبيرًا على الأسرة».
وقال المحبوب: «إن الجمعية تعمل منذ ما يربو على 25 عامًا وفق إستراتيجية هادفة لخدمة الأطفال المعاقين حركيًا والمصاحبة إعاقاتهم بإعاقات نمائية أخرى بجانب برامجها التأهيلية الأخرى للبالغين في مجالات العلاج الطبيعي والوظيفي والأطراف والجبائر».
مشيرًا إلى أن الجمعية انتهجت هذه الإستراتيجية التأهيلية لكثرة أعداد المصابين بها وندرة التخصصات والخدمات التي تقدم لهم، مبينًا أن الجمعية تعمل على تأهيل هذه الحالات وفق برنامج التأهيل الذي يتلقى فيه الطالب وحدات الرعاية النهارية والتأهيل المهني والتأهيل ضمن المجتمع وجميع البرامج التأهيلية ممثلة في برامج العلاج الطبيعي والوظيفي والنطق والتخاطب والتأهيل البدني والرياضي والنفسي والاجتماعي والترفيهي وغيرها.
وأضاف: «ينتظم في وحدات الرعاية النهارية بالجمعية ما بين 250 - 300 طالب وطالبة سنويًا كلهم يتلقون برنامج التأهيل الشامل من الصباح حتى الساعة 12 ظهرًا، مضيفًا إن تواجد الطالب خلال فترة الصباح وحتى الظهر في الجمعية ثم يعود بعدها إلى محيط أسرته ومجتمعه يكتسب المزيد من الخبرات المجتمعية، بحيث لا يكون معزولًا عن المجتمع الذي يعيش فيه، وبهذا يكون دور الأسرة مكملًا للدور الذي تقوم به الجمعية فيكتسب عاداته وتقاليده».
وأضاف: «إن الجمعية تستقبل الطفل من لحظة مولده للتعرف على نوع الإعاقة التي يعاني منها، حيث يتم فحص الطفل من قِبَل الفريق الطبي المتعدد التخصصات، وفي حالة تشخيص حالته بأنها شلل دماغي يتم قبوله بوحدة التأهيل ضمن المجتمع التي تقبل الطفل من لحظة الميلاد وحتى سن ست سنوات من خلال برنامج التدخل المبكر وغيره من البرامج التأهيلية المناسبة، بعدها ينتقل الطفل إلى وحدة الرعاية النهارية (ذكور)، فيتعلم فيها بعض المعارف الأكاديمية ويتلقى برنامج التأهيل الشامل حتى سن تسع سنوات، ينتقل بعدها إلى الرعاية النهارية (ذكور)، ويظل بها حتى سن 14 سنة، ثم ينتقل بعدها إلى التأهيل المهني، وخلال هذه المراحل مجتمعة يكون الطالب قد اكتسب الكثير من التدريبات والمعارف التي تؤهله للاندماج في المجتمع المحيط به».
أكد استشاريون في جراحة المخ والأعصاب أن مرض الشلل الدماغي يصيب طفلًا بين كل 500 في مراحل الطفولة الأولى بالمنطقة العربية، فيما لخصت دراسة قام بها مجموعة من الأطباء في المملكة أخيرا، أن عدد الأطفال المصابين بالشلل الدماغي 23.4 لكل عشرة آلاف طفل في المملكة، معتبرين أن الشلل الدماغي هو ثاني أعلى إعاقة لدى الأطفال على مستوى المملكة. وأوضحوا أن الشلل الدماغي عبارة عن اضطراب في الحركة أو التوتر العضلي أو الوضعية يحدث بسبب الضرر الذي يقع للدماغ المتنامي غير الناضج، في أغلب الأحيان قبل الولادة، مشيرين إلى أن العلامات والأعراض تظهر في سنوات الرضاعة أو ما قبل المدرسة. كما يتسبب شلل الدماغ في ضعف الحركة المرتبط بردود الفعل المفرطة أو ليونة الأطراف والجذع أو صلابتها أو وضعية الجسم غير الطبيعية أو الحركات اللاإرادية أو عدم الثبات أثناء المشي أو مجموعة من هذه الأعراض. وأشاروا إلى أن تأثير الشلل الدماغي يتباين على القدرات الوظيفية بشكل كبير، حيث يمكن لبعض الأشخاص المصابين به السير بينما لا يستطيع آخرون. ويظهر بعض الأشخاص قدرة فكرية طبيعية أو شبه طبيعية، ولكن قد يعاني البعض الآخر من إعاقات ذهنية، كذلك، ويتضمن تأثير شلل الدماغ الصرع أو العمى أو الصمم.
قال أخصائي نطق وتخاطب بجمعية إيفاء خالد جعفر: إن مشكلات الطفل المصاب بالشلل الدماغي تتلخص في عدم قدرته على تنفيذ الأوامر والتعليمات البسيطة وعدم التعرف على الأشياء مثل أعضاء جسم الإنسان وعدم القدرة على فهم الجمل، وعدم قدرته على التعبير عن نفسه، وقد يصدر بعض المقاطع الصوتية أو كلمات منفردة يعبّر بها عن حاجته وأحيانًا يتكلم جُملًا بسيطة التركيب.
مضيفًا إنه في بعض الأحيان يكون الطفل غير قادر على التحدث واستخدام اللغة المنطوقة أو غير القادرة على اكتساب اللغة المنطوقة لهذا نصب اهتمامنا على كيفية تواصله مع الآخرين، وزيادة قدرته الإدراكية وليس الكلام بحد ذاته، «كما يمكننا أن نتواصل معه عن طريق الصور والإشارات أو اللوحات وتطبيقات التواصل البديل للتعبير عن حاجته بأفضل وسيلة لتأهيله وتطوير قدرته الاتصالية، مع ملاحظة أن كل طفل لديه قدرات يمكن البدء من خلالها والعمل على تطويرها لكي يحقق قدرًا من التواصل والتأهيل».
وردًا على سؤال قال المصلحي: «على الأبوين أن يتحدثا مع طفلهما بقدر الإمكان وحتى إذا لم يكن قادرًا على النطق فسيساعد ذلك على تنمية مهاراته الإدراكية، كما يجب عليهما أيضًا أن يحافظا على التواصل البصري مع الطفل وتشجيعه للتواصل مع الآخرين وتنمية مهارات الإنصات والانتباه والتقليد والمحاكاة؛ لأنها أول الطريق للإدراك والتعبير، أما إذا كان الطفل يعاني من صعوبة شديدة بالحركة والكلام ولا يعبر بأي كلمات فابدأ بتعليمه استخدام صوت واحد أو حركة واحدة للتعبير عن الموافقة والدلالة على الكلمة بنعم وصوت آخر بالإيماءة لعدم الموافقة، وكلمة لا لتحسين التواصل ومعرفة رغبته».
يتطور الأطفال الذين لديهم شلل دماغي حركيًا مع العلاج المستمر، ولكن يصعب التنبؤ إلى أي مرحلة يصل التطور. كما أن قدرة الطفل الذهنية عامل هام لاستجابته ومشاركته في برنامج التأهيل.
ورغم أن خلايا الدماغ التالفة لا يمكن تعويضها أو تجديدها إلا أن خلايا غير مصابة في مناطق أخرى من الدماغ يمكنها التدرب على وظائف الجزء التالف، وذلك يكون حسب درجة وشدة الإصابة وانتشارها بالمخ.
وعليه فمن الضروري تحديد مقدرة الطفل ذهنيًا عن طريق عمل اختبار ذكاء، وذلك في مرحلة مبكرة قبل سن الرابعة حتى يمكن إدراجه في البرنامج التعليمي الأمثل له.
ويفضل دمج الأطفال ذوي الذكاء الطبيعي في مدارس الأطفال العادية مع أقرانهم الأسوياء إن أمكن، وتوفير متطلباتهم التنقلية كالمدارج ودورات المياه المخصصة (من الضروري أن تكون المنشآت في أي مرفق عام معدة لاستقبال ذوي الاحتياجات الخاصة)، كذلك ما يساعدهم من أدوات لتلقي وتطبيق ما يدرسونه. وهكذا فإن الطفل المصاب بالشلل الدماغي ذو احتياجات كثيرة ومتعددة، ويحتاج إلى تخصصات متنوعة للأخذ بيده ليصل إلى حياة كريمة أقرب ما تكون إلى الحياة الطبيعية.
التشخيص وخطة التأهيل
وأضافت لمعي إنه ينبغي أن يتم عرض الطفل على الطبيب المختص في أقرب فرصة، وذلك للتشخيص المبكر للحالة حتى يتسنى البدء في خطة التأهيل اللازمة تفاديًا لحدوث أي مضاعفات في حالة تأخير التشخيص، مشيرة إلى أن خطة التأهيل في حالات الشلل الدماغي تشمل: تنمية القدرات الحركية ومنع التشوهات، وتطوير المهارات اللغوية والإدراكية والاستقلالية الذاتية حتى يصبح الطفل قادرًا على الاعتماد على نفسه، وذلك تحت إشراف فريق التأهيل الطبي.
رعاية المصابين عبر «التدخل المبكر» و«التأهيل الشامل»
أكدت رئيسة قسم الفسيولوجيا العصبية في مدينة الملك فهد الطبية د. لمياء جاد أن الشلل الدماغي اضطراب في الحركة نتيجة لإصابة في الدماغ خلال فترة تكوين الجنين ونموه، حيث (يبدأ خلق المخ في الأسبوعين الثالث والرابع للحمل وينتهي في السنة الثالثة بعد الولادة)، هذه الإصابة للمخ دائمة، لا تزيد ولا تسوء مع الزمن ولكن قد يحدث تغيّر في حالة الطفل الحركية مع مرور الوقت. وعن الفترة اللازمة لظهور المرض وكيفية ظهوره، قالت: «يظهر الشلل الدماغي في 2.1 إلى 2.5 طفل في كل ألف طفل، وقد تحدث إصابة الدماغ أثناء فترة الحمل أو أثناء الولادة أو بعد الولادة، أما إصابات ما قبل الولادة فقد تكون نتيجة موروثات جينية تسبب تشوهات في الدماغ أو نتيجة لالتهاب يصيب دماغ الجنين بسبب إصابة الأم بفيروس أو طفيل كالحصبة الألمانية أو داء القطط، أو قد يكون نتيجة جلطة في الأوعية الدماغية للجنين حدثت أثناء الحمل». وأضافت: «عادة ما تحدث الإصابات أثناء الولادة نتيجة لنقص الأكسجين عن مخ الوليد لعدة أسباب قد تكون منها نزف الأم، أو انفصال المشيمة، أو انعقاد الحبل السري أو التفافه حول رقبة الطفل أو كبر حجم الطفل وتعسر الولادة أو كون الطفل أساسًا غير طبيعي ولا يتحمل عملية الولادة، وفي الفترة الأخيرة أصبحت الولادة المبكرة سببًا هامًا في حدوث الإصابة، حيث إن أوعية الخديج (الطفل المولود مبكرًا) الدماغية لا تستطيع التحكم في تدفق الدم إلى الدماغ، فيتسبب بنقص الأوكسجين، وهذه الفئة تشكل جزءًا كبيرًا من ذوي الشلل الدماغي في هذا العصر، خاصة مع تطور الأساليب للإبقاء على هذه الفئة حية».
وأردفت: «أما بالنسبة لإصابته بالشلل الدماغي بعد الولادة فأوضحت د. لمياء أنها تتنوع أسبابه فقد تكون نتيجة لالتهابات السحايا والدماغ أو لإصابات مباشرة في الرأس نتيجة التعرض لحادث أو اختناق بسبب الغرق مثلًا».
مشيرة إلى أن الشلل الدماغي يصنف حسب تأثيره على الحركة إلى شلل دماغي تشنجي ويشكل النسبة الأعلى وتكون فيه العضلات مشدودة ومتصلبة. والشلل الدماغي الرخو يكون فيه الطفل رخوًا لينًا لا يستطيع صلب نفسه، والشلل الدماغي الكنعاني وفيه تتحرك عضلات المريض باستمرار مانعة ومعارضة بذلك حركات المريض اللاإرادية. والشلل الدماغي الترنحي يعاني المريض فيه من فقدان التوازن والميلان (الترنح) من جهة إلى أخرى عند الحركة.
واستطردت: «يوصف أيضًا الشلل الدماغي بحسب أجزاء الجسم المصابة به، فعلى سبيل المثال الشلل الدماغي الثنائي (السفلي) وتكون فيه الأرجل أكثر إصابة من الذراعين، وينتشر هذا النوع بين الأطفال الخدج، والشلل الدماغي النصفي ويكون نصف الجسم مصابًا والذراع أشد إصابة من الساق، بالإضافة إلى الشلل الدماغي الرباعي وفيه تكون الأطراف الأربعة متأثرة بنفس الدرجة».
قال استشاري المخ والأعصاب بمستشفى الملك فهد الجامعي بالخبر د. إبراهيم اللويمي: إن أهم الصعوبات التي قد تواجه الطفل المصاب بتلك الحالة أنه قد يعاني من عدة صعوبات كأن يؤثر على حركة العضلات المختصة بالنطق، فلا يتمكن الطفل من التعبير عن ذاته بالكلام رغم ارتفاع مقدرته الذهنية، وتأثر الحديث يكون على درجات فقد لا يتمكن الطفل من النطق بتاتًا أو تصعب عليه بعض مخارج الحروف أو أن يكون صوته ضعيفًا ومبحوحًا.
وقال اللويمي: «من المحتمل أن يعاني الطفل من تعقيدات في البلع والتنفس فعادة ما تتأثر حركة العضلات المختصة والمنسقة للبلع، وتلك التي تمنع دخول الغذاء عند البلع إلى القصبة الهوائية فيدخل الطعام إلى الجهاز التنفسي، ويصاب الطفل بالتهابات صدرية متكررة ومزمنة، وقد يحدث ارتجاع للغذاء أو الحمض من المعدة إلى الجهاز التنفسي ليسبب نفس الأعراض أو أعراضًا تشبه أعراض الربو».
مشيرًا إلى أنه يحدث لدى الأطفال المصابين بالشلل ضعف في النمو وصعوبات في التغذية نتيجة لأسباب مختلفة ومجتمعة منها صعوبة إطعام الطفل لعدم استطاعته المضغ أو البلع بصورة صحيحة ومجدية، واحتياجه إلى سعرات أكثر من أقرانه في بعض الأحيان؛ بسبب حرق أكثر للسعرات الحرارية نتيجة لانقباض العضلات المستمرة.
وأكمل اللويمي موضحًا الصعوبات فقال: «كنتيجة لإصابة بعض الأطفال باختلال الحركة وعدم توازن العضلات، فقد يتسبب ذلك بتشوهات في المفاصل والعمود الفقري والقفص الصدري خاصة إن لم يواظب الطفل على العلاج الطبيعي ووضع المريض على المقعد أو السرير في وضع صحيح، وإن كان الطفل بحاجة إلى كرسي متحرك لعدم قدرته على المشي فيجب أن يفصل حسب احتياجه ومقاسه. فمثلًا يرفع ظهر الكرسي ليصل إلى أعلى الرقبة أو الرأس إذا كانت هناك رخاوة تمنع استقامة الرقبة ووضع حواجز جانبية تمنع سقوط (تدلي الرأس) وأيضًا تفصل الأحزمة الكتفية للعربة ليبقى الظهر مستقيمًا».
اختلال حركة العضلات وتشوهات المفاصل
احرصوا على الحديث مع أبنائكم
أخصائي
نطق وتخاطب:
المسؤولية المجتمعية والإنسانية
شدد استشاريو مخ وأعصاب على أهمية إخضاع الحالات المصابة بشلل الأطفال للعلاج عن طريق فريق طبي ذي تخصصات متعددة حسب احتياجات الطفل، مشيرين إلى أنه ليس كل طفل مصابًا بالشلل الدماغي كالآخر في قدراته واحتياجاته.
ويشمل فريق الأطباء طبيب أعصاب الأطفال وطبيب تأهيل وطبيب عظام وطبيب عيون وطبيب جهاز هضمي وتنفسي وأخصائيي علاج طبيعي ووظيفي وأخصائيي الأجهزة المساعدة والنطق والتخاطب، بالإضافة إلى أخصائيين نفسيين، كما يشترك في رعاية هؤلاء الأطفال المؤسسات التعليمية، ويُوجَّه ذووهم إلى المؤسسات المختصة والأخصائيين الاجتماعيين.
وقالت استشارية في الطب الطبيعي والتأهيل د. مريم لمعي: يفضل إدراج الطفل من الشهور الأولى إلى ما دون سن الخامسة في برنامج التدخل المبكر، حيث يتلقى فيه الطفل العلاج الطبيعي والوظيفي وعلاج النطق والتخاطب ويراقب تطوره الذهني ويدرس حسب قدراته الذهنية، وبعد سن الخامسة يدرج الطفل حسب إمكانياته الذهنية والحركية إلى المدارس ومراكز التأهيل الشاملة المناسبة.
وأوضحت لمعي أنه حتى لا يحصل تيبس في المفاصل يجب المتابعة على علاج الشد المصاحب للشلل الدماغي منذ الصغر؛ وذلك لمنع حصول التيبس، والذي يمنع حركتها أو يؤدي إلى تشوّهات، وحتى تبقى المفاصل مرنة استعدادًا لاستخدامها عندما يتطور الطفل حركيًا للمرحلة التي بعدها، كالتطور من الحبو إلى المشي، فيما يبدأ علاج شد العضلات عادة بالعلاج الطبيعي وقد تستخدم أدوية استرخاء مثل الباكلوفين أو حقن البوتكس، وتكون العملية الجراحية لنقل أو إرخاء الأوتار من قبل طبيب العظام حلًا متأخرًا، كما يجب متابعة العلاج الطبيعي بعد العملية.
العلاج يتطلب فريقا طبيا ذا تخصصات متعددة
دمج ذوي الذكاء الطبيعي مع أقرانهم الأسوياء
مؤشرات لاكتشاف إصابة الطفل بالشلل الدماغي
8
1- تكون اليد مقبوضة دائمًا بعد الشهور الثلاثة الأولى.
2- استعمال يد أكثر من الأخرى قبل 18-24 شهرًا.
3- الوقوف أو المشي المستمر على أطراف أصابع القدم.
4- عدم التكافؤ في الحركة بين الجهتين اليمنى واليسرى.
5- الحبو بجر أرجله خلفه (حبو الجندي).
6- الرخاوة الزائدة.
7- الشد الزائد.
8- عدم اكتساب الطفل قدراته الحركية في الوقت المناسب.