فلوة الزهراني

أيها الأب / أيتها الأم

إن لم تستطيعا أن تمنحا أبناءكما الحب، والحنان، والاحتواء -من الطفولة إلى أن يصبحوا رجالًا ونساءً على قدر من المسؤولية.. فلا تنجبا.

إن لم تستطيعا أن تقوّما سلوك أبنائكما -بحسن التوجيه والإرشاد - إلى جانب جلسات التواصل العاطفي الأسري - وتُعززا «القيم الاجتماعية» لديهم بعيداً عن سياسة إقصائهم أو نبذهم بحجة العيب «وفي بينا حدود»، أو لأنهم «جهلاء» لم يبلغوا من الرشد والعقل إلا فيما يخص «العلم، وتعليم الصلاة فقط».. فلا تنجبا.

إن لم تستطيعا أن تكونا نموذجًا وقدوة صالحةً في «الاستقامةِ»، والأخلاق أمام أبنائكما، وتربيانهم على «احترام الصغير، وتوقير الكبير» ما حيوا فلا تنجبا.

إن لم تستطيعا أن تزرعا «الثقة» -ومحبة الله ومخافته- في أنفس أبنائكما، قبل هندمة أجسامهم وقذف مظاهر الرعب والخوف في قلوبهم من آراء الناس في ثيابهم، وقصات شعرهم، وألوان أحذيتهم، وماذا سيترتب عليهم من أحكام يقررها الناس في شؤونهم!؟ وماذا يرتدون أو يقولون، وينشغلون بالناس وينسون الله الذي خلقكم وخلقهم. إذن..لا تنجبا.

عزيزي الأب:

• إن لم تستطع أن تتكيف مع جيل أبنائك، وتتفهم عاطفتهم، احتياجاتهم، واهتماماتهم التي تتناسب مع عصرهم.. فلا تنجب.

• إن لم تستطع أن تمنح نفسك التفكير بتعقل وتأنٍ في فروقات عصرك، وعصرهم وعصر أجدادك، وآبائك الأولين دون أن تغضب، وتتعصب لحقبتك، ولتربيتك الجامحة، فلا تنجب.

• إن وجدت دورك منحصرًا في مسؤولية «الصرف المالي» وبقية أدوارك تكملها عنك الأم من إعادة تحميل وتحديث ثنائي الصفحات من الحب، والحنان الأبوي المفقود، والتواصل المقطوع، وحل مشكلات العاطفة والتمرد، والمراهقةِ والشباب، إلى الزواج والطلاق «عوضًا عنك» فقد غادرت أبناءك مبكرًا، رحمك الله وجبر مصابهم فيك.. ولك ألا تنجب.

• إن لم تستطع أن تحمي، وتقنع، وتنصت «لابنك» بلغة الحب، والحنان والحرص «من أذية نفسه، والآخرين، ومخالطة رفقاء الـسوء، فأنت لا تصلح أن تكون أبًا صالحًا.. إذن لا تنجب.

• إن كان مفهوم التربية لديك بتقمص شخصية»الجلاد بمعاونة السجان«، سيُخلْ بمفهوم»الطاعة والأمان«في بيتك، ولن تجني بعد ذلك إلا جيلًا يبحث عن المتعة الحرام والفرار لهثًا إليها لـسد عوز العاطفة، وإن أبدوا لك طاعةً زائفة في بادئ الأمر سرعان ما تذهب. فلا تنجب.

• إن لم تستطع أن تثق بمن ربيتهم على الأخلاق وطاعة الله، فلا تنجب.

»العنف لا يولد إلا الجبناء «ومظلة الحب والاحتواء والعدل» لا تنجب إلا الصالحين.

الرهاب، والتعنيف، والتهديد، والتخويف «بالسلك والعقال، والعصا، والسكين» يخلف جيلًا مدمرًا نفسيًا مشوهًا داخليًا متأزمًا عاطفيًا، إما للانفلات والهروب، وإما انغلاقًا مريبًا، فخراب فسقوط «.

• الدلال الزائد، والدلع المفرط، والتربية بلا ضوابط وثوابث هي أول طعم لخطط الشيطان مع رفقاء السوء للقضاء على فلذة كبدك والخروج عن سيطرتك»بلا عودة«.

•»لا تجعل المجتمع حجة لحظر أي مساحة يستوجب فيها التواصل بينك وبين أبنائك ظنًا منك وقوعهم في «محظور» أو خشية أن تتفتح مداركهم!..وفي الخلف من يتربص بهم خلف الشاشات ينتظرهم بشغف، ليصغي، ويربت على قلوبهم فاتحًا أحضانه، وآذانه، مادًا لهم يد العون، مفسحًا لهم الطرقات للحديث والفضفضة، فيُلقن، ويُدرس، ويَنتهج خُطاهم، حيث أنت من قام بإحكام، وسد، وإغلاق عقولهم، وأفواههم، ولأنهم كانوا الأقرب منك لهم «تأملها..»

«فإذا جاءتِ الطامة الكبرى»

في بعض الأحيان، وعند مرحلة معينة من سنوات عمر الطفل، يتوقف دور الأب معلنًا انشغاله، وانهماكه بالعمل، والضغوطات، والسفر، والإرهاق، فيتخلخل عطاؤه النفسي، والعاطفي معلنًا إفلاسه، وتحال الـمهمة والأدوار بكامل مراحلها ومشقتها على عاتق الأم وحدها «ليطمئن قلبه» ومن غير أن يأبه بحدوث شيء لم يكن..

تقل المشاعر تجاه الأبناء شيئًا فشيئًا عبر السنين، وبينما هم يكبرون وتكبر عاطفتهم، يقل الاهتمام، وتكثر التوصيات «الرعائية والتربوية» على مسامع الأم لتشد من «حيلها وتربي صح»، وشيئًا فشيئًا يزداد الانفصال العاطفي «الجفا»، بين الأبناء والآباء مما كانوا أطفالًا، إلى أن صاروا كبارًا «مهملين عاطفيًا» إلى جانب الأم يلقنون باتباع الأوامر، والعصا أو يربون «بالنقد الهدام والتجريح».

ويكبرون وتكبر احتياجاتهم، فتستيقظ المشاعر الأبوية في ليالي الإجازات الصيفية وعلى خطى واحدة يجمعهم طريق «السفر»، حضن واحد، ويتفرقون أشلاء من جديد إلى موطن العودة«البيت، والفراغ العاطفي، والبعد الأبوي»، لمعاودة الألم من جديد، وتبدأ مرحلة اللا ثقة، والتوصيات الرقابية على مسامع الأم لتشد من «حيلها وتربي صح»، ويكبرون وتكبر أحلامهم، وطموحاتهم، وتصبح المسافات سنوات طوال بين الأبناء، وحقيقة ما يخفونه من مشاعر، وبين آبائهم، فيكثر الدخلاء، ويحين الصراع بين المربي و«الورقة الملعوبة الأبناء»، «والمجهول الخطر» !صديق «الأزمات والأحضان» !