نجيب الزامل

سؤال جدير أن يطرح مع مسابقات الألغاز، أو مطارحات الصحاب في الدواوين والاستراحات، أو في النقاشات الفكرية.

إن كنت تحمل هذا المقال فأنت - لا شك - تمسك بالجريدة، والجريدة من ورق، ومن هنا مدخل مقالنا اليوم عن الورق، ودور الورق في الحضارات وإنثروبولوجيا الثقافة والعلوم.

منذ اخترع الصينيين الورق بعهد إمبراطورية هان، اندلعت ثورة المعرفة الهائلة بتدوينها ونقلها، ولطالما كرر علينا الغربيون القوة الهائلة لاختراع المطبعة، إلا أن المطبعة لم يكن ليكون لها شأن يذكر لولا الورق. ولكن الصينيين لم يكرروا ذلك على العالم مرارا وتكرارا. وانتشر عن طريق الورق التفكير الأرضي بالعموم في الفلسفة والعلوم والأديان.

رغم أن الفضل يعود للورق في وصول المعتقد البوذي إلى اليابان، إلا أن اليابانيين عمليون من وقتهم، فاهتموا أكثر بالمادة الحاملة للمعلومة أكثر منها، وهذا يفسر أنهم من الطرف البوذي غير المتدين، وما فلسفة الشنتو إلا دليل على ذلك.

إلا أن كتابا تأريخيا توثيقيا بعنوان «طريق الورق The Paper Trail» يؤكد أن الثورة الثانية لانتشار الورق، وتوسع استخدامه فضلا عن التدوينات الدينية، إلى كتابة ونسخ العلوم التطبيقية خصوصا في عهد الخلافة العباسية الذي بلغ مداه الذهبي المزهر أيام حكم المأمون.

ولم يصل الورق لأوروبا وتحسن معرفتهم لاستخدامه إلا في القرن الثالث عشر، ودور الورق لا يمكن أن ينكر في قيام عصري النهضة والتنوير في أوروبا.

لقد صنع الورقُ العالم كما نعرفه الآن، والورق مقاوم لعوامل الطبيعة فلا يفنى، فيمكن أن يعيش مئات السنين، ولكنه بلحظة يذوب بالماء، وربما نخرته الديدان وقرضته الفئران في أيام.

الورق قد يبدو رخيصا من ورق المحارم والتواليت، ولكنه يفوق كل الأثمان إذا وقعت عليه ريشة بيكاسو أو دالي أو جوجان أو فان كوخ.

الورق يحيط بك بكل مكان بكل وقت في بيتك وعملك ومحفظتك.

هل سينتهي عصر الورق؟ أبدا، وكأن الأمبراطور هان الصيني آل على نفسه أن يبقى الورق.. ما بقي البشر.