لاشك أن الاستقرار الاقتصادي طويل الأجل لأي دولة يعتمد علي العلاقات الجيوسياسية التي تحكم المنطقة نفسها، ولو رجعنا للوراء قليلا سوف نجد زيارة ولي العهد لبعض الدولة الآسيوية والتي لم تكن مصادفة أو وسيلة لإقامة علاقات جغرافية سياسية فقط، بل أيضا لبلوغ أهداف استثمارية واقتصادية ملموسة. وفي حين أن العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مهمة، إلا أن الأسواق الآسيوية وخاصة باكستان والهند هي أسواق استهلاكية نابضة بالحياة توفر منافذ هامة لصادرات المملكة. ولعل حصول المملكة على عقد تنفيذ أكبر مصفاة نفط في العالم مع مجمع البتروكيماويات بميناء غوادر بباكستان، سيوفر سوقا طويلة الأجل للمنتجات البتروكيماوية السعودية والمواد الخام، ويتجاوز ذلك أيضا كونه يفتح قنوات للتبادل التجاري ودعم الصناعات خصوصا مع الصين، والتي يعد اقتصادها ثاني أكبر اقتصاد بعد الولايات الأمريكية في القيمة الإجمالية بما يقدر بـ 2.3 ترليون دولار. واستنادا إلى تعادل القوة الشرائية، فإن الاقتصاد الصيني يعد أكبر اقتصاد في العالم، فضلا عن الاقتصاد الأسرع نموا، والذي بلغ متوسطه 10 في المائة علي مدى العقود الثلاثة الماضية. ويشكل الجزء الأكبر من هذا النشاط نواة إستراتيجية اقتصادية وضعها ولي العهد منذ إعلان الصين مبادرة الحزام والطريق بمبلغ تريليون دولار، حيث أعلن ولي العهد أن المملكة ستكون جزءا من تلك الروابط البرية والبحرية مع الصين لضمان أن موقع المملكة هو أحد المراسي الاقتصادية الرئيسية في آسيا كما كانت. ولعل الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان الذي يربط غوادر مع كسيانجيان في الصين يشكل أهمية كبرى لاستثمارات المملكة في الميناء؛ كونه أصبح يرمز إلى دور باكستان المتزايد في التجارة الإقليمية والنقل اللوجستي في جميع أنحاء شرق أفريقيا والشرق الأوسط والهند. وبذلك تشير البيانات إلى أن الحاويات التي يتم شحنها من الإمارات إلى باكستان تقدر تكلفتها بـ $250 مع ميناء غوادر، مقارنة مع حاوية من الإمارات إلى الصين ربما تصل تكلفتها إلى $1،500 أو أكثر. وبما ان الحاويات يمكن نقلها برا داخل الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني إلى الصين، فإن تكلفة شحن البضائع من الشرق الأوسط ستنخفض إلى حد كبير. وعلاوة علي ذلك، تتطلب المنتجات البترولية التي تشتريها الحكومة الصينية من الشرق الأوسط عادة ما يصل إلى 30 يوما للوصول إلى المدن الساحلية مثل شانغهاي في الصين. ومع ذلك، فإن نفس النفط المنقول عبر غوادر وعبر الممر الاقتصادي لن يتطلب إلا ما مجموعه 12 يوما إجمالا. والملاحظة هي أن كلا من المنتجات وتكاليف الشحن البترولي سيتم تخفيضها بنسبة تصل إلى ٥٠٪. كذلك الاتفاقية مع الهند بأكثر من مليار دولار وخصوصا أن المملكة هي رابع أكبر شريك تجاري مع الهند. ولتلخيص كل ذلك يمكن القول إن المملكة رفعت مكانتها الدولية بفضل تلك الاتفاقيات والاستثمارات مع العديد من الدول الآسيوية، والتي دفعت كل هذه البلدان لفتح مكاتبها التنفيذية لولي العهد، وهذا يعني إمكانية الوصول دون قيود إلى أهم صانعي القرار هناك، والرغبة في إقامة شراكة طويلة الأجل مع المملكة والتي ينظر لها على أنها مركز اقتصادي وسياسي مهمين.