سالم اليامي

إنسان عزيز جدا سألني بعد أن كان متابعا جيدا لما كتبته في المدة الماضية، عن قدرة الكاتب على التلوين فيما يطرح على صفحات الجريدة، من مقالات متخصصة، وشبه متخصصة في الشأن السياسي والعسكري والأمني، وفِي العلاقات بين الدول، وفِي تطعيمها ببعض المقالات ذات الطابع الاجتماعي والسردي الذي يناقش قضايا اجتماعية تهم الناس، أو على الأفل تهم قطاعا كبيرا منهم. وكان سؤاله بالذات يتجه إلى كيف تنمو هذه المهارة، أو القدرة، ومدى قدرة الكاتب سواء أنا أو غيري على هذه المراوحة بين المتخصص جدا، وبين الشأن العام. الجزئية التي استوقفني عندها هي قدرة الكاتب على تحدي نفسه واختيار الموضوع، وأفكاره الرئيسة، ومن ثم الإبحار في تغطية الموضوع المختار أيا كان نوعه من جميع جوانبه الممكنة، للوصول إلى مقال يحمل فكرة عامة تقنع الكاتب أنه يقدم عملا احترافيا يعجز عنه غير أهل الاختصاص، ويقنع القراء أن هناك وجبة أسبوعية تقدم لهم مخدومة بطريقة خاصة تشبع لديهم عادة البحث عن الفكرة، أو الأفكار فيما يطرح.

سؤال هذا المخلوق تعدى كل هذه المراوحات النظرية في كتابة المقال إلى السؤال عن إمكانية الكاتب على الكتابة والتعبير بدرجة ممكنة من الصدق، والحرفية عندما يجول في أذهان، وأفكار الناس؟ في الحقيقة لم استوعب الموضوع بشكل جيد، وكان لا بد من المزيد من السؤال، والاستيضاح، والتبصر بما يريد تحديدا ومحاولة فهمه ثم إجابته بالممكن أو بعدم الممكن. المفيد والذي فهمته بعد حديث طويل معزز بالشواهد والأمثلة وبعرض وذكر عدد من القصص والأمثال فهمت أنه إنسان عاش حياته بقيم ومفاهيم معينة، حرص عليها طوال حياته التي تمتد لأربعة عقود تقريبا، ويود أن يعرف إذا كانت هذه الرحلة مع القيم والمعايير الأخلاقية والقيمية وما قدمه في حياته من تضحيات لأسرته ومحيطه الاجتماعي القريب من تضحيات وأكيد ما قدمه غيره من أفراد المجتمع من أعمال اجتماعية وأسرية جليلة، يمكن أن يشار إليها يوما في ثنايا مقال يبرز تلك الأعمال، والتضحيات، وعمليات الإصرار على بناء أسر صغيرة على أسس سليمة داخل فضاء المجتمع الكبير، وكان تركيزه يأتي في أغلبه حرصه على جزئية الوفاء للأسرة وللمجتمع، والتضحية بالشخصي الخاص مقابل الصالح العام.

في الحقيقة، شعرت أن هذه الجزئية في الإشادة بأصحاب المواقف المبدئية في مجتمعاتنا العربية لم تأخذ حقها في تسليط الضوء عليها وإبرازها بالشكل الكافي، والكامل، يضاف إلى ذلك أن هناك حقيقة يدركها أفراد كل أسرة وهي أنه لو لم يكن هناك شكل من أشكال التضحية، والوفاء من عنصر، أو أكثر من عناصر الأسرة لآلت أحوال كثير من الأسر إلى الخراب - لا سمح الله -. ومن هذه النقطة المفصلية يجب تثمين دور كل أم وأب فيما قدموه من التزام ووفاء في تربية الأولاد وفِي الكفاح في تعليمهم، وفِي معاونة الأطراف الأخرى في الأسرة، وفِي مؤسسات التنشئة الاجتماعية، كما يجب تثمين وفاء كل أم، وكل أب على تقديم نماذج صالحة للمجتمع، وتلمس دورهم في تعديل انحراف بعض الأبناء، في بعض المراحل الحرجة من عمرهم.

الوفاء قيمة عظيمة هي من أساسيات بناء الشخصية السوية، المستقيمة المتوازنة، وهي نتاج بناء اجتماعي تربوي موفق، كما أنها صورة حقيقية للشخصية المسلمة الصحيحة التي تدرك أن دورها في الحياة هو البناء، ومساعدة الآخرين في محيط الأسرة، والأقارب، والعمل على تقديم عناصر إيجابية تبني المجتمع عبر هذه القيم التي من أهمها قيمة الوفاء، والذي أصبح نادرا جدا في الأزمان المتأخرة. ومع ذلك نؤمن بوجوده، وبوجود أشخاص أوفياء لدينهم وأمتهم ومجتمعهم.. نسأل الله أن يكثر منهم فهم الكيمياء التي تحفظ وتحافظ على بقاء المجتمعات المتعافية.