سكينة المشيخص



القوامة والرعاية من المسؤوليات الفطرية والإنسانية لكل ولي أمر أو والد أنجب أولاد يدرك مسبقا أنهم سيظلون يحظون برعايته طالما هو على قيد الحياة، وهي مسؤولية لا يمكن الهروب منها مهما كانت الظروف طالما أنه يتمتع بالعافية التي تجعله يعمل ويكد، وإن لم يفعل فليس من اللائق أن يكون في مستوى من الرجولة والمروءة والشهامة التي ربما يحاول أن يبدو عليها أمام المجتمع.

القانون أو التشريعات المدنية لا تسمح بأي تهرب من هذه المسؤولية لأنه متى وجد شخص غير مسؤول ثغرة للتملص من التزاماته تجاه من يحضنهم فسيصبح المجتمع في حال فوضى، ويمكن لكل أحد أن يفسر الإنفاق وحق الرعاية للأبناء برؤيته غير المسؤولة، وفي هذا السياق اتوقف عند خبر إلزام دوائر ومحاكم التنفيذ لـ 10937 ممتنعا عن النفقة، بدفع أكثر من 122 مليون ريال نفقة أبناء، خلال العام الهجري الماضي، وتوعدت المماطلين بإجراءات صارمة تكفل حقوق المحضونين، وكانت جميع الطلبات تستند على أحكام قضائية متعلقة بقضايا النفقة.

فكرة بناء الأسرة لا تعني النفقة وحدها وإنما إضافة وحدة مجتمعية وأبناء لهذا الوطن يتمتعون بكامل الحقوق التي تضعهم في مسار تربوي صحي ومعافى وتؤهلهم لأن يكونوا جزءا مهما من حركة المجتمع ونموه وتطوره والإسهام الفاعل في بناء الوطن، لذلك فإن التهرب من هذه المسؤولية ينطوي على كثير من السلبيات التي تنشأ بفعل سطحية وهشاشة رؤية الهاربين والمتهربين من المسؤولية التي تظل تلاحقهم حتى في أحلامهم لأن الفطرة الإنسانية التي تتعامل مع أطفال وأبناء لا يمكن أن تتركهم في هذه الحياة دون سؤال أو مسؤولية وكأنهم لا شيء أو شيء غير مهم.

التشريع والنظام بدوره لا يسمح بهذا الهروب والتخلّي غير الإنساني، لذلك سبق لمعالي وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ الدكتور وليد بن محمد الصمعاني، أن وجه المحاكم بمعاملة الممتنعين عن أداء نفقة الأطفال المقررة شرعا كالمعنِّفين لهم في العقوبات، وفقا لنظام حماية الطفل، فيما اتخذت وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء جملة من القرارات والتعديلات والإجراءات التي تدعم الأم الحاضنة، والهادفة في أساسها لحماية الأسر من التشتت بعد الانفصال، إضافةً إلى تسهيل وتسريع الإجراءات التي قد تتسبب في تعطيل مصالح الأبناء والأمهات الحاضنات.

ذلك يؤكد بصورة حاسمة وحازمة أهمية وعظم مسؤولية النفقة ورعاية الأطفال والأبناء بما يوفر لهم الحياة الكريمة، وهي مسؤولية كبيرة تمتد مع الحياة، وحين نجد حوالي 11 الف متهرب من الإنفاق على أبنائهم أو زوجاتهم المطلقات فإننا نرى هذا الرقم كبيرا وينبغي ألا يحدث ذلك في مجتمعنا الذي تتوفر به مقومات الحياة بصورة أفضل من كثير من مجتمعات العالم، لتبقى المسألة قائمة على إحساس هؤلاء بالمسؤولية وتقديرهم لحاجة فلذات أكبادهم للمتطلبات التي تجعلهم لا يسألون الناس أو يشعرون بنقص يضعهم في مستوى الفاقة.

ولنا أن نسأل هؤلاء ما هو شعورهم وأبناءهم لا يجدون ما يسد رمقهم أو يجعلهم يمدون أياديهم للآخرين؟ ما إحساسهم برجولتهم وهم يتهربون من مسؤولياتهم تجاه أبنائهم؟ كيف يواجهون المجتمع وهم يمتنعون أو يماطلون أو يتهربون عن القيام بأبسط واجباتهم وأدوارهم تجاه أبنائهم؟ ذلك كله يفترض أن يجعلهم يشعرون بالحياء من قصورهم وتقصيرهم، وذلك أسوأ ما يمكن أن يشعرون به إن كانت لهم أدنى ذرة حياء، فليس من رجل يتجاهل أو يتغافل أو يهرب من حقوق أبنائه أو واجباته تجاههم، وإن فعل فالنظام كفيل بأن يأخذ حقوقهم.