سالم اليامي



وردني السؤال التالي:

تحية طيبة...

أريد الاستفسار عن مسمى مملكة الجبل الأصفر، التي سوف يكون إعلان قيامها من أوكرانيا يوم 5 سبتمبر. هل هذا الخبر حقيقي، وتلقيت دعوة بذلك هل تنصحني بالحضور؟

هذا السؤال فتح البحث والتفكير في هذا الأمر على أربعة محاور، المحور الأول التاريخي ثم القانوني الدولي والمحور الثالث السياسي ورابعا المحور المستقبلي الذي تشكله التطورات والأفكار الحديثة التي تتجاوز الأطر التقليدية في ميدان العلاقات الدولية.

البداية تعود في أغلب التقديرات إلى ما يقرب من عقد من الزمن عندما أعلن مواطن أمريكي بطريقة تكاد تكون هزلية أنه اكتشف قطعة من الأرض لا تتبع لأية دولة بالخصوص دولتا مصر والسودان، لماذا مصر والسودان؟ لأن أرض الدولة التي يكثر الحديث عنها تقع على الحدود بين البلدين عند النقطة الحدودية المشهورة بمثلث حلايب وشلاتين، وقطعة الأرض هذه تقع بالكامل في نطاق الدولة السودانية على خط مستقيم للحدود المصرية. ما الذي أوجد هذه المنطقة الفارغة والتي لا يطالب بالسيادة عليها أي طرف دولي إقليمي معروف؟ تقول أغلب التقديرات التاريخية والقانونية أن السبب الرئيس في إيجاد هذه المساحة الفارغة بين البلدين هو تمسك كل من المصريين والسودانيين بخرائط تاريخية تثبت ملكية كل منهما لمثلث حلايب الحدودي الحيوي. وتاريخيا تنقل المصادر أن اسم هذه الرقعة من الأرض التي تبلغ مساحتها 2060كم مربعا أي ما يوازي مساحة دولة الكويت تسمى تاريخيا بير طويل. وتعود فكرة ما يسمى الأراضي بلا سيد، إلى القرنين الرابع عشر والخامس عشر، حيث كانت الإمبراطوريات الاستعمارية حينها تحدد مثل هذه الأراضي وتشرع في استعمارها واستثمارها. ما مدى شرعية، وقانونية إعلان أوديسا في أوكرانيا؟ بحسب المواد الإعلامية والإعلانية عن قيام دولة الجبل الأصفر والتي انتشرت منذ الخامس من سبتمبر 2019 على لسان سيدة قيل إنها تحمل الجنسية الأمريكية من أصول لبنانية أعلنت أنها رئيسة وزراء المملكة الوليدة ولَم تسم أي أحد في المناصب السيادية والقيادية الأخرى في قمة هرم السلطة. نكون أمام شكل جديد من أشكال إعلان قيام الدول، غير مألوف تاريخيا. فالقانون الدولي العام يشترط لقيام الدول عناصر ضرورية هي وجود الإقليم ثم ضرورة وجود الشعب، ووجود سيادة تمارس على نطاق هذا الإقليم، وأخيرا اشتراط الاعتراف الدولي من قبل الأمم المتحدة، ومن قبل المنظومة الدولية. وفِي حالة هذه الدولة الوليدة الإقليم موجود، ولَم تعلن الدولة التي يقع الإقليم داخلها تماما وهي السودان أي رفض أو قبول لما يحدث، أو لما يتحدث عنه العالم! أما الشعب لهذه الدولة فلم يتبلور بعد حيث سيكون بحسب الإعلانات الأولية من المهاجرين والنازحين واللاجئين الذين يشكلون معضلة إنسانية وبشرية للأمم المتحدة ولدول الإقليم وللمنظومة الدولية عموما، وسيسمح ببدء التوافد للسكن والإقامة واكتساب الجنسية في أواخر العام 2020م. أما أمر السيادة فليس هناك إلى اليوم جهة معروفة بالتحديد تُمارس الفعل السياسي والسيادي للحديث باسم سلطات هذه الدولة. التكهنات الأولية تقول إن قيام هذه الدولة وبهذه الصورة غير المألوفة إلى الآن على الأقل ربما تكون واحدة من الحلول لحزمة من المشكلات التي تعاني منها المنطقة، وربما تكون هذه الخطوات بشائر مبادرات شاملة لحل جملة من المعضلات التي يعاني منها العالم مؤخرا، والتي عانت منها المنطقة منذ بضعة عقود. التفكير بطريقة القائمين على هذه الدولة يحيلنا إلى أسلوب جديد ربما ومبتكر في زراعة، وصناعة الدول يتناسب وذهنية العصر الحديث ويخرج على الأطر التقليدية في علم العلاقات الدولية وفِي أسس القانون الدولي العام. كيف تتطور الأمور، وإلى أين ستسير بهذه التجربة الجديدة والمعقدة الله وحده يعلم.