قد تكون على موعد مع أحدهم، وتنتظر منه الحضور إليك في وقت محدد وباتفاق مسبق، ويمضي ذلك الوقت المحدد، دون أن يأتي أو يعتذر مسبقاً عن تأخره، ويضيع وقتك في الانتظار، وما أكثر ما يضيع الوقت إذا عومل بعدم الاهتمام، وهو الذي يمضي من العمر دون القدرة على استعادة ولو ثانية واحدة منه، فماذا يمكن أن تقول لذلك الذي أخلف وعده معك، عامداً أو مضطراً.. المسألة بالنسبة لك سيان لأنك المتضرر من ذلك مهما كانت ظروف ذلك المخالف لوعده، والمؤسف أن أشخاصاً قد عرفوا بهذا التصرف، الذي لا يقيم وزناً للوقت، ولا اهتماماً بما يترتب على ذلك من تبعات سلبية تتحمل نتائجها مرغماً، مهما كانت فداحتها وقسوة وقعها عليك.
والوقت يا سادة له قيمته، التي لا تقدر بثمن، وهدر الوقت هو هدر لتلك القيمة، ومع ذلك لا يزال بعض الناس في غفلة عن هذا الأمر، وإذا كان وقت كل إنسان هو ملكية شخصية يتصرف بها كما يشاء، ولن يحاسبه أحد على ذلك، فإن أوقات الآخرين ليست كذلك، فهي ليست ملكه وبالتالي لا يحق له مطلقاً أن يضيعها بالوعود الكاذبة، التي قد تترتب عليها الإضرار بمصالح أولئك الآخرين.. ربما يقول قائل إن ظروفاً طارئة قد تحول دون التقيد بالوعد وهذا احتمال وارد، لكنه يقتضي ومن باب اللياقة.. الاعتذار المسبق، حفظاً لماء الوجه، ومحافظة على احترام الذات، وتأكيداً على تقدير قيمة الوقت.
ويبدو أن الأمر متعلق بثقافة المجتمع، التي ترفدها منظومة قيمية، تمليها الموروثات الأخلاقية المنحدرة من أجيال سابقة، وهو أمر قد يبدو منطقياً لدى بعض الناس، لكنه من ناحية أخرى يتجاهل مبادئ إسلامية أرقى يفترض أن تكون أكثر تأثيراً في أفراد المجتمع المسلم، لأن الدين علّمنا الأمانة ومن باب الأمانة المحافظة على الوعد، كما علّمنا عدم النفاق، ومن آيات المنافق أنه إذا وعد أخلف، كما علّمنا الصدق، والصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة (وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صدّيقاً). وعلّمنا ترك الكذب لأن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار (وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذّاباً).
هذه الثقافة القائمة على قيم إسلامية إنسانية نبيلة، لماذا لا تكون بصمة في المجتمعات الإسلامية، ولماذا تخلى عنها المسلمون، وتمسكت بها أمم غير مسلمة، فكانت عوناً لها على المضي في طريق الحضارة، وتحقيق إنجازات نهضوية رائدة في العلوم والآداب والفنون؟
يبدو أن السر في ذلك هو تخلي المسلمين عن دينهم، واستهانتهم بتعاليمه في التعامل معه كمظلة يمكن أن تقيهم من رمضاء التخلف عن ركب الحضارة، والتباطؤ في سباق التنمية بين شعوب العالم، والمنجزات الحضارية لا تقاس فقط بالمباني الشاهقة، ولا بكثرة قاعات الحفلات الغنائية، ولا بزيادة عدد دور العروض السينمائية، ولا بمباريات كرة القدم، ولكنها تقاس بمدى التقيد بالنظام، ودقة الحرص على الوقت، والتعامل بين الناس بالصدق والأمانة، وممارسة الحرية الفردية المنضبطة، واحترام الذات باحترام الآخر، وعدم التعدي على حقوقه، ومن حقوقه الوقت الذي ليس من حق أحد هدره عبثاً.
قال الشاعر:
وعدتَ وكان الخلف منك سجية
مواعيد عرقوب أخاه بيثرب
عرقوب له أخ ضاقت به الدنيا لشدة فقره، فذهب إلى أخيه بيثرب الذي أشار إلى نخلة من نخيله، وقال له: إذا طلعت هذه النخلة فلك طلعها، فلما طلعت قال: اصبر حتى يصير طلعها زهواً، ولما صار زهواً، قال: اصبر حتى يصير رطباً، ولما صار رطباً، قال: اصبر حتى يصير تمرا، فلما صار تمراً أتى عرقوب بليل وجذ النخلة، ولم يترك لأخيه شيئاً، فصار مثلاً في خلف المواعيد.
قبل أن يفوت الميعاد.. عليك أن تفي به لتنجو من تهمة المواعيد العرقوبية.