الصحافة هي الناطق شبه الرسمي للدولة، وهمزة الوصل بين المسؤول والمواطن.. تنقل هموم المواطن ومعاناته، وتضعها أمام ذلك المسؤول بأمانة وصدق؛ ليجيب عنها بالحقائق والأرقام؛ لذلك فإن الصحافة ليست ترفًا، ولكنها وسيلة إصلاح ناجحة إذا سارت في الطريق الصحيح، وانحازت للحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة، إلى جانب دورها في تربية أجيال جديدة من حملة الأقلام القادرين على رفع مستوى وعي المواطن، وترسيخ قيَم المواطنة لديه من خلال محافظته على المنجزات الوطنية التي تقدّمها الدولة لجميع المواطنين، كما تتصدى بشجاعة لرد سهام أعداء الوطن إلى نحور أصحابها، وتفنيد الشائعات والأكاذيب التي يحيكها أولئك الأعداء، مما يعني أن الجميع بحاجةٍ ماسّةٍ لما تقدمه الصحافة في مجال دعم التنمية، وتقويم مسارها، وتشجيع أصحاب المواهب من الكُتّاب، وإشاعة حرية الرأي، وترسيخ قيَم الخير بين أفراد المجتمع، حتى وإن زاحمتها وسائل إعلامية أخرى في هذا المجال، وهي وسائل يجنح بعضها إلى تزوير الواقع والإساءة للمواطن والمسؤول، وزعزعة أمن البلاد والعباد، كما نرى فيما يُسمّى بمواقع التواصل الاجتماعي.
ومقابل ذلك كله، يُفترض أن تحظى الصحافة بالتشجيع اللازم، من قِبَل الدولة ممثلة في وزاراتها ومؤسساتها المختلفة، التي تخدمها الصحافة، وتقف معها دومًا ودون تردد، من خلال إبراز أنشطتها، والتعريف بمشاريعها، ومواكبة خططها التنموية، وبث الوعي بين الجمهور للتفاعل مع منجزاتها، والتشجيع المطلوب لا يعني المطالبة بمخصصات مالية محددة، بل يكفى لأن تقوم كل وزارة بزيادة نسبة الاشتراك في أعداد كل جريدة، وبكمياتٍ تفي بحاجتها لتوزيعها على موظفيها، كما كان الحال في السابق، يوم كانت الصحف المحلية متواجدة في كل الوزارات، وفي كل السفارات والقنصليات والملحقيات التعليمية في الخارج، وحين كانت الصحف المحلية متاحة للطلبة الدارسين في الخارج، حيث يمكن لكل طالب أن يختار صحيفة أو صحيفتين لتصله إلى مقر سكنه في أي بقعة من العالم، كما يمكن الإيعاز للمقاولين المنفذين لمشاريع الدولة بضرورة الإعلان في الصحف المحلية، وكذلك الشركات والبنوك لنشر تقاريرها وميزانياتها السنوية في هذه الصحف، وكذلك الإدارات الحكومية كالمحاكم الشرعية والبلديات، التي كانت إعلاناتها في السابق تحتل مساحة كبيرة من صفحات الصحف المحلية التي أصبحت مهددة من قِبَل الصحافة الإلكترونية، وهي حتمًا لا تستطيع أن تقدّم للدولة ما تقدّمه الصحف الورقية من خدمات إعلامية مختلفة.
ولا جدال في أن موارد الإعلان هي المصدر الأساس لضمان تغطية مصاريف إصدار وتوزيع الصحف، وقطع الإعلان عنها يعني قطع أسباب استمرارها، وفي دولة نامية كبلادنا لا يمكن الاستغناء عن الصحف الورقية بأي حال من الأحوال؛ لأنها الأقرب إلى السواد الأعظم من القراء، ولم يحِن الوقت بعد للاعتماد على الصحافة الإلكترونية في خدمة المواطن؛ لأن أكثر المواطنين لم يتعوّدوا بعد على الصحف الإلكترونية، التي لابد أن زمنها آتٍ دون شك، لكن ليس في الوقت الراهن بالنسبة لبلادٍ مثل بلادنا، وهي تسير بخُطى حثيثة للحاق بركب التقدم والازدهار.
حجب الإعلانات عن الصحف، والتقليل من أهمية تواجدها بين أيدي كبار موظفي الدولة، وعدم وصولها إلى الممثليات الدبلوماسية في الخارج، وعدم توافرها بين أيدي المبتعثين ليعرفوا أخبار مجتمعاتهم، كل ذلك يسبب اختناقًا فعليًا للصحافة المحلية، التي أصبحت - بعضها - عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها المادية تجاه موظفيها وكُتّابها والمتعاونين معها، مما يعني أن على وزارة الإعلام البحث عن حلول عملية لإنقاذ هذه الصحافة، من مستقبل مجهول، لا يزال يسبب قلقًا حقيقيًا لأصحاب هذه الصحف والعاملين فيها.
ألسنا في عهد التطوير والازدهار، فكيف لا تنال الصحافة نصيبها من هذا التطوير والازدهار؟.