فهد السلمان



أحيانا أصل إلى قناعة أن ليس هنالك من يقرأ هذه المقالات التي أكتبها إلا القليل في ظل تفشي ثقافة المحتوى «التويتري» القصير كبرقية، والمحكوم بعدد الأحرف، حتى تلك المقالات التي تحملها روابط تويتر وفيسبوك، لاختلاف طبيعة العصر، وحجم التحولات التي شهدها العالم عبر ثورة التقنية الرهيبة، والكم الهائل من المنصات. إلا أني ما زلتُ أستشعر ضرورة الكتابة، أقصد كتابة المقال، لأسباب غير ناضجة في ذهني حتى الآن، وبالتالي من الصعب استعراضها كبراهين حاسمة. أشعر أن لسان تويتر أقصر من أن يقول ما يجب أن يُقال، حتى وإن كان أسرع قولا، وأسهل وصولا، لذلك لا بد أن يعود للمقال ولو بعض بريقه، ومكانته، وهيبته، متى اختبر الناس كفاءة هذه الأنماط التي تحاول أن تقوم بالوكالة عن المقال، هل أحلم؟ ربما.

كثيرا ما سألتُ نفسي، لماذا أكتب؟، لكني لم أصل بعد إلى أي إجابة مقنعة، كل ما أفعله هو أنني أحدق في الفراغ في حالة تأمل تبدأ من الفراغ وتنتهي إليه، ربما اعترضتني أحيانا تلك الإجابة المخاتلة: أكتب لأعيش، لكن الواقع يقول: إن الكتابة قد تسد الرمق، لكنها لا تؤكل عيشا، هنا تذكرتُ أنني قرأتُ ذات السؤال لصحفية إيطالية، وجهته للمفكر والفيلسوف الفرنسي «رولان بارت»: لماذا تكتب؟، أو ما جدوى الكتابة؟.. أجاب:

(أكتب إشباعا للذة الكتابة، أكتب لأن الكتابة تخلخل الكلام، وتهز الأفراد، وتقوم بعمل نعجز عن تبين مصدره، وأكتب كي أحقق موهبة، وأنجز عملا مميزا، وأحقق اختلافا، أكتب كي يُعترف بي، وأكافأ، وأكون موضع حب واحتجاج، وتأييد، وأكتب كي أنجز مهام أيديلوجية أو أقف ضدها، أيضا أكتب بإيعاز أيديلوجيا مستترة، وتقسيمات مناضلة، وتقويمات مستديمة، وأكتب إرضاء لأصدقاء، ونكاية بأعداء، كذلك أكتب مساهمة في إحداث شروخ في المنظومة الرمزية لمجتمعنا، وبحثا عن ابتكار معان جديدة، وأكتب كذلك إثباتا للقيمة العليا لفعالية تعددية لا دوافع من ورائها، ولا أهداف ترمي إليها، ولا تعميم تستهدفه، شأنها في ذلك شأن النص ذاته!).انتهت محددات بارت للكتابة، وهي محددات تخصه وحده كمفكر وفيلسوف بالتأكيد، أما فيما يخصني فلم أجد في إجاباته على كثرتها ما يمكنني استلافه، إذ يبقى هذا السؤال قائما وبزاوية حادة: لماذا نكتب؟، طالما أصبحت الكتابة غربة، وأصبح المقال شيئا من تراث متحفي لثقافةٍ لاحت بوادر انقراضها. باختصار هل انتصرت التغريدة بهزيمة المقال؟.