فهد سعدون الخالدي

تناولنا في المقال السابق «رؤية جديدة في التعليم» هذه الرؤية من وجهة نظر الدكتور سعيد عطية أبو عالي، وهو كما أسلفنا واحد من القيادات التربوية السعودية العابرة للمراحل التعليمية في مجال الخبرات، حيث التحق بالتعليم النظامي طالبا في أوائل تأسيس المدارس النظامية في منطقة الباحة ثم التحق بمهنة التعليم في سن مبكرة جدا وبأبسط المؤهلات العلمية ليواصل الجمع بين الوظيفة معلما ومدير مدرسة ومدير معهد معلمين ابتدائي إلى جانب مواصلة الدراسة وصولا إلى الحصول على شهادة الدكتوراة في الإدارة التربوية من أرقى الجامعات الأمريكية، ما أهله للعمل أستاذا في الجامعة وعميدا ثم العودة مرة أخرى للتعليم العام مديرا عاما للتعليم بالمنطقة الشرقية التي شهدت خلال تحمله المسؤولية فيها تصميما لديه ولدى الفريق الذي عمل معه على تنفيذ توجهات ولاة الأمر في العمل على نشر المدارس في الأحياء والهجر والبادية على أوسع نطاق، إلى جانب ما شهده التعليم في المنطقة من إنجازات نوعية أيضا ما زالت حديث معاصري تلك الفترة من الطلبة والمعلمين، أما رؤية أبو عالي الجديدة لمسيرة التعليم بالمملكة التي نشرها في كتابه الذي صدر عن نادي المنطقة الشرقية الأدبي بهذا العنوان، فقد تضمن الكتاب أهم معالمها التي نشرنا بعضها في المقال السابق ونكمل نشرها في هذا المقال وهي بالإضافة إلى ما سبق الإشارة إليه:

- إن الأخلاق تبقى كما هي في حياة الناس الحاضرة وسالف حياتهم ولاحقها «حتى مع تدخل العوامل التي سبقت الإشارة إليها في المقال السابق أو بعضها في تحديد نمط السلوك».

- إن المؤسسة التعليمية ملزمة بتنمية الأخلاق والعادات الحميدة والسلوك الحسن في نفوس الناشئين، وذلك بتقديم النماذج الخيرة والشخصيات التاريخية، بحيث يمكن للمدرسة من خلال ذلك «تكوين الاستعداد الكامل للالتزام بالمبادئ الأخلاقية واجتناب الرذائل والشرور، بل وتجاوز ذلك إلى الدعوة للأخلاق وتوجيه الناس إلى مواطن الخير والعلاج»، وبعد أن يعدد أبو عالي بعضا من المواقف الأخلاقية الأهم التي ينبغي أن يمارسها المعلم والمتعلم يؤكد أن التعود على الأخلاق فقط لا يجعل ذلك يتحول إلى سلوك إنساني لدى المتعلم إلا مع تزويده بطاقة عاطفية تعتمل في نفسه وتدفعه لفعل الخير واجتناب الشر، ويؤكد أيضا أن الأخلاق لابد أن ترتكز على المعرفة حتى تكون وعاء للصلاح ودافعا للفعل الصالح؛ لأن المعرفة كما يقول هي رأس الإيمان ويستشهد لتأكيد وجهة نظره بقول الفارابي «فيلسوف الأخلاق» الذي يجعل المعرفة بالفضيلة خيرا من سلوك سبيلها بدون معرفة، ونخلص من ذلك للقول إنه إذا اجتمعت المعرفة والسلوك أضحت الفضيلة خلقا وتحول الخلق إلى سلوك، وتطور السلوك إلى فعل فاضل مفيد. إن الإلمام بملامح الرؤية التي تحدث عنها أبو عالي في الكتاب يحتاج إلى العديد من الصفحات والمقالات، وما أشرنا إليه هو غيض من فيض مما يستحق القراءة والتدبر وإمعان النظر، غير أنه لا يمكن مغادرة هذا المقام دون الإشارة إلى دعوة أبو عالي التي ضمنها بقوله: «إنني أدعو إلى حركة تعليمية تحقق التميز لمجتمعنا بما يحفظ له هويته ويكسبه القدرة على إقامة علاقة سوية يتفاعل فيها مع الآخرين»، ثم يؤكد أنه عندما يدعو إلى اتخاذ التميز هدفا نسعى إلى تحقيقه فإنه يعني التأكيد على الهوية وغرسها في نفوس الناشئة بما يثبت الخصوصية ويحقق الانفتاح في آن واحد في حركة تطويرية متجددة تجعل الإنسان يتفاعل مع عصره كما يستفيد من موروثاته ويتطلع إلى المستقبل.