أنيسة الشريف مكي



وصلتني رسالة من سيدة تعرضت لحادث مروري أفقدها القدرة على مواصلة وظائفها ونشاطاتها الحياتية، أحست وفي ساعة ضعف أنها امرأة منتهية الصلاحية فكتبت رسالتها.

السيدة بشهادة الجميع، ولا أقول ذلك رفعا لمعنوياتها أو رأفة بحالها وإنما هي الحقيقة زوجة كاملة بمعنى الكلمة، وأم قدوة، فقدت المسكينة العصب الرئيس من طاقاتها المتميزة التي ساعدت بها القريب والغريب، قدمت الحب والعلم والتضحية، نجحت في كافة المجالات، أثرتْ القيم بمبادئها وقيمها السامية وأثّرت في مجتمعها الصغير والكبير بتفاعلها مع كل القضايا الأسرية والاجتماعية، اختارها الله لتكون رمزا للصبر كما كانت رمزا للتضحية والعطاء، امتحنها سبحانه ليمنحها الأجر فصبرت واحتسبت. حزنها الكبير لم يكن بسبب إعاقتها ولكن لصدمتها في أقرب الناس لها، فيمن فقدته حيا في شريك حياتها، ولو أدرك كل زوج مدى الألم والضرر الذي يضعه في نفس زوجته المريضة عندما يتخلى عنها لاحتقر ذاته وعرف حجمها.

رفيق العمر من المفترض بل من الواجب أن يكون الزوج والأب والأخ والصديق فكيف يتخلى عنها؟!! تغير مائة وثمانين درجة جمّد فيها عواطفه وإنسانيته، وعطّل عقله وتحول لمخلوق آخر له قلب لا يفقه وعين لا تبصر وأذن لا تسمع وعقل لا يفكر..

فكر فقط في الهروب السلبي من الواقع الجديد ومن الرفض النفسي للحدث ومع عدم استيعابه للواجب والمطلوب «خرج ولم يعد»!! سؤال يطرح نفسه هل يرضى بموقف كهذا لو كان مكانها؟ في هذه الحالة نستطيع تحديد الإعاقة ومن المعاق الزوجة أم الزوج؟ أعتقد أن الإعاقة الجسدية أرحم بكثير من الإعاقة الأخلاقية وما يترتب عليها من خلل في الضمير وتدهور في المبادئ والقيم نتائج سلبية متوقعة من أزواج فاقدون الصفات الإنسانية والسلوك الأخلاقي، يتنكرون للعشرة الطيبة وينسون التضحية.. الإعاقة ليست اختيارا ولا يد للمعاق فيها وليست نهاية العالم، والمواقف تكشف معادن الناس بخاصة الزوجان اللذان ربط الله بينهما برباط مقدس وثيق، عشرة حسنة، ومودة ورحمة، والمعدن النفيس لا يصدأ فهو الأمان بعد الله والعوض المفقود، احترامي وتقديري للمعادن النفيسة من الأزواج والزوجات، وغيرهم شواذ. ولصاحبة الرسالة أقول: ثقي يا سيدتي بأن الله مع الصابرين، ولن ينقطع الأمل في الشفاء، وإن عجز الطب فلن يعجز الله ولا يجمع الله بين عسرين.

للعلم صاحبة الرسالة لا تريد شفقة أحد وإنما ذكرت قصتها لتذكر بقدسية رابطة الزواج وأنها من أقدس العلاقات الإنسانية وأوثق العقود البشرية وقد خصها الله سبحانه بوصف الميثاق الغليظ «... وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا» كما هو واضح في سورة الروم «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون»