د. فالح العجمي

ما الذي يتوقعه أغلب المهتمين بالإنتاجية في بيئتهم العملية من زملائهم المقربين منهم تخصصا ومكانة في بيئة العمل؟ وما الذي يرفع من قيمة الإنتاج ويحسن تلك البيئة؟ وأخيرا ما معايير التعاون والتكامل بين الزملاء في محيطهم المكاني الصغير في موقع العمل؟ أظن الإجابات عن هذه الأسئلة تتباين تبعا لاختلاف مواقع العمل وطبيعتها، وكذلك حسب فئة من توجه إليهم هذه الأسئلة. لكن إطارا عاما يجمع السمات المطلوبة في بيئة العمل والصفات المتوقعة من زملاء العمل، أهمها بالطبع سيادة روح التعاون بين الفريق الذي يقوم بعمل جماعي، أو ينتج عملا تكامليا. ولا يقل أهمية عن هذه الروح أن يتسم الزميل في موقع العمل بصفات إيجابية مطلوبة في الأعمال الجماعية، وعلى رأسها دقة الزميل فيما ينقل إلى زميله، وموثوقية ما يفعله، وما يفكر فيه من إجراءات متفق عليها بشأن طبيعة العمل وطريقة إنجازه.

ينقل بعض المخلصين في أعمالهم عن زملائهم في العمل بعض الحكايات الطريفة، والمواقف التي تمثل حجر عثرة في سبيل تقدم العمل وتكامليته، إلى الدرجة التي يصف بها بعضهم بيئة العمل لديه، بأنها متناقضة وعجيبة. حيث يقوم بعضهم بأعمال تؤدي إلى فقدان قيمة ما يؤديه بعضهم الآخر الذي يخلص في عمله، ويقوم به وفق ما اتفق عليه من معايير. وقد حكى أحدهم، بأن بعضا من العاملين في قسمه الذي يعمل فيه، لو تم استبعادهم لما تأثر العمل، بل ربما تزيد كمية الإنتاج فيه، كما تقل المشكلات النفسية والنقاشات غير المجدية التي يسببونها دون جدوى. لكن ما الذي يجعلنا نركز على المخلصين في العمل دون غيرهم؟ وإذا كان الهدف تطوير بيئة العمل، فلماذا لا يجري الاهتمام بالبليدين وقليلي الإنتاجية ومعكري صفو العمل أيضا؟ والجواب في هذا الأمر سهل في سياقنا هذا، هو أننا معنيون هنا بما يقلل من الإنتاجية، ويحد من قدرة المنتجين على مواصلة العمل في بيئة مريحة. أما التطوير وتلافي القصور لدى الأفراد، فتلك قضية أخرى لها أدبياتها وأساليب تناولها.

وفيما يخص السؤال الثاني في مقدمة المقالة، المتعلق برفع قيمة الإنتاج، وتحسين بيئة العمل، فنقول إن أقوى عوامل رفع قيمة الإنتاج هو الاتساق في طرق الأداء المعتمدة، بعد تجربتها وإقرارها في استراتيجيات العمل داخل المؤسسة أو فروعها وأقسامها المتعددة. وكذلك تعتمد بيئة العمل في جوهرها على توفير الظروف المناسبة للعاملين في المؤسسة ومراجعيهم، مما يجعل الطرفين (مقدم الخدمة ومستقبلها) مطمئنين إلى جودة الأداء وفقا للمعايير التي تحددها سياسات العمل. وبالطبع تتحسن البيئة كلما زادت تلك الظروف إيجابية، وانعكست على الحالة النفسية للأفراد المنتمين إلى تلك البيئة أو المتعاملين معها.

أما إجابة السؤال الثالث المتعلق بالمعايير الضرورية للتعاون بين الزملاء في العمل والتكامل بين أداء كل منهم وما يسبقه أو يليه من أداء زملائه، فإنه يخضع إلى معرفة طبيعة العمل. حيث يكون ضروريا جدا، بل حاسما ومصيريا في الحالات الطبية، أو الأعمال التقنية المرتبطة بتسلسل إجراءات يفضي بعضها إلى بعض، وأي خلل في أحدها يؤدي إلى تدمير العملية برمتها. لكنها أيضا في بيئات عمل كثيرة ضرورية من أجل توفير حد أدنى من الجودة، خاصة إذا كانت الأعمال تؤدى بروح الفريق ضمن مشاريع جماعية منسقة.