د. سمية السليمان

قد تحضر مجلسًا تجد فيه من الأصدقاء أو الأقارب من يحتفي ويوجب ويطري ويمزح، ولكن بين كل ذلك الجو المرح

والممتلئ بالإيجابية قد تسمع كلمة واحدة سيئة مثل «كبرت» أو «سمنت» أو ملامة أنك «قاطع» أو غيرها. كذلك قد يكون يومك جميلا ومزاجك عاليا ووجهك مبتهجا، حتى تجد شخصا يعرضك للخطر أثناء سيرك بالطريق. أو قد تكون طالبا يتلقى تعليقات على مشروع أو بحث لا يلتفت إلا لما هو سلبي ويترك إطراء الأستاذ وكأن لا قيمة له.

من جميع ما سبق ومواقف عديدة تمر علينا نعلم أن وقع الشيء السلبي من كلمة أو فعل أكبر من الإيجابي. وكأن ثقله أكبر وصورته أوضح ووقعه أسوأ. قد يعتقد البعض أن هذه سمات الناس السلبية وتحديدًا في زمن يدعو باستمرار للإيجابية. ولكن الواقع بعيد كل البعد عن ذلك، وهذا إلى حد كبير مطمئن. فمن منا يود أن ينسب لجماعة السلبيين؟.

عرفت مؤخرا أن التركيز على الجوانب السلبية هو ردة فعل بيولوجية تنشأ في اللوزة في الدماغ (amygdala) وهي

مركز استجابة يتحكم بالمشاعر وغرائز البقاء والذاكرة. حيث إن ثلثي الخلايا العصبية بها تبحث عن الجوانب السلبية وتنقلها حال وجودها للذاكرة طويلة المدى. مقابل ذلك فإن التجارب الإيجابية يجب أن تكون حاضرة في الوعي لمدة ١٢ ثانية قبل أن تنتقل إلى الذاكرة طويلة المدى.

هذا التفاوت يفسر كيف يمكننا أن ننسى كل ما هو إيجابي، ونتعلق بتلك الكلمة الجارحة ونسمح لها بتلويث باقي يوم أو أيام من عمرنا.

فهم هذه الظاهرة مطمئن، لأن معرفة أن هناك تمييزا طبيعيا تجاه الأمور السلبية يرفع عنا ضغط دوامة الملامة الذاتية التي تحاول أن تجعلنا إيجابيين. قد نمر بظرف سلبي ونستجيب بشكل سلبي يؤثر علينا على المدى البعيد، وفوق كل هذا نلوم أنفسنا على هذا الشعور.

إذن كيف نكسر هذه الدوامة؟ وكيف لنا أن نقدر الإيجابي ونضع الأمور في موازينها الصحيحة دون أن يطغى السلبي؟.

جزء كبير من الحل يكمن في البحث الواعي عن الإيجابي وهذا ليس سهلا. فالوضع الطبيعي هو أننا لا نلاحظ الشيء إلا عندما تحدث مشكلة أو نحس بانزعاج.

إن الشعور بالامتنان واستحضار التجارب الإيجابية من الممارسات التي ثبت علميا تأثيرها الإيجابي على نفسية

من يمارسها. فهي تزيد السعادة وتقلل أعراض الأمراض ولها فوائد عدة. هناك من لديه مذكرات خاصة يسجل بها ما هو ممتن له.

علينا أن نكون أكثر وعيا وبحثا عن الجوانب الإيجابية. يمكننا أن نحصي النعم التي أنعمها الله بها علينا ونحمده عليها.. ولكن بدلًا من الحمد العام، لم لا نحمد الله على قريب يشد به الظهر ويستحق الثقة أو صديقة تستمع وتساند؟ لماذا لا نحمد الله على العافية إلا إذا مرضنا؟ أو التيسير في أمورنا اليومية؟ ننعم بخيرات كثيرة قد لا نستطيع أن نحصيها ولكن لا يمنع أن نحاول. فالحمد لله

كثيرا.