فهد السلمان

يبدو لي أن الحياة تتخلى يوما بعد يوم عن طبيعتها وبساطتها وإنسانيتها، لتتجه إلى التعقيد والتقييد أكثر فأكثر بالتقنيات الرقمية، في الوقت الذي يروج فيه سدنة الذكاء الصناعي، وعمالقة صناعة الأجهزة الذكية، وتقنيات الـG5، والخوارزميات عموما إلى إقناع الناس بأنهم يقودونهم عبر هذا الكم الهائل من التطبيقات إلى تسهيل حياتهم، واختصار الوقت والجهد عليهم عبر كبسة زر، فيما هم في واقع الأمر يدفعونهم إلى أن يعيشوا داخل هذه التطبيقات التي بدأت تتحكم في حياة الكثيرين منا، وتجردهم من قدراتهم الذاتية بالاعتماد على أنفسهم في إدارة شؤون حياتهم.

هنالك مئات، وربما آلاف التطبيقات المفيدة فعلا، والتي يمكن تصنيفها على أنها تطبيقات ساهمت أو تساهم في تسهيل بعض الخدمات والوظائف والواجبات على الناس، وتضعها في متناول أيديهم، هذه حقيقة موجودة، ومن نعم التقنيات الرقمية على البشرية، لكن في المقابل هنالك حمى تسونامية زاحفة من التطبيقات العبثية، والابتزازية التي تستغل فضول البعض، ولا تكتفي بإدخال حمولتها من الإعلانات الترويجية بين عينيك، وفي وجدانك غصبا عن أنفك، وإنما لتجر فضولك في محاولة ملامسة جنون التقنيات للعبث بذهنك، والقفز فوق قناعاتك، وإيهامك بأنها قادرة على دخول العالم الموازي، أو قراءة الأفكار، أو تجاوز المعقوليات، والذهاب إلى ما هو أبعد من الخوارق الميتافيزيقية، إلى جانب ما سوى ذلك من التطبيقات العبثية التي لا هم لها سوى سرقة الوقت، واللعب بالغرائز، وربط هذه الأجهزة بأيدي الناس مدار الوقت، صحوا ومناما، قياما وقعودا، حتى لا يكاد الواحد يستشعر ما هو عليه من حال، وهي مسألة ما عادت حكرا على الشباب، بعد أن طالت العدوى الجميع أطفالا ورجالا ونساء ومن مختلف الأعمار، فأصابت ما أصابت من العلاقات الأسرية والاجتماعية، وأجهضت التواصل الحقيقي بكل ما فيه من قيم ومشاعر الحميمية، وحولته إلى نمط آلي رقمي واخترعت له وجوه الـ إيموشن للتعبير عن الفاقد الإنساني بغياب الوجوه الحقيقية، ذلك لأن السباق المضمر في هذه التقنيات الرقمية ليس سباق تقديم خدمات، وإنما هو في واقع الأمر سباق إعلاني لترويج وتسويق الاستهلاك بكل أشكاله وألوانه، بل سباق تهديم للقيم وفرض قيم الأقوياء على الآخرين، وبالتالي فإن أخشى ما أخشاه أن يأتي اليوم الذي يعيش فيه الواحد منا داخل تطبيق، وقد نكون الآن على مشارفه، أو وضعنا أقدامنا على أعتاب بابه، لنتحول إلى جزء من مفردات ذلك التطبيق، وقد نستبدل أسماءنا باليوزر نيم والباسورد، هذا إن لم نتحول إلى رموز للوغارتمات هذه التقنية الرقمية المخيفة، طالما بقينا على ضفاف استهلاكها، ولم نجد موقعنا بعد في المشاركة في صناعتها وتوجيهها كما يفعل الصينيون.

fmsr888@gmail.com