فهد السلمان

أعتقد وبما يشبه الجزم أن المجال الرياضي هو المدى الأكثر رحابة لقياس طرائق تفكيرنا كمجتمع، ومدى قبولنا بفكرة المواطن الأممي، وتجاوز قضية الخصوصيات، ذلك لأنه المجال الأعلى سقفًا في حريّة الطرح، والأكثر صخبًا ومشاركة، بل والأكثر تنوعًا فهو يضم الأمير والوزير إلى جانب الغفير والخفير، ويضم الوجيه ورجل الأعمال إلى جانب المعترّ والبائس الفقير، ويضم أستاذ الجامعة والمثقف إلى جانب المواطن البسيط، ويضم الرجل كما يضم المرأة، لذلك يظلّ هو الأكثر شمولية من كافة أطياف المجتمع، وبالتالي سيكون الأكثر تأهيلًا لاستخدامه كعيّنة اختبار لقراءة مدى تقبلنا لبعضنا في اختلاف الرأي، ومدى قبولنا للآخر، ومدى قدرتنا على تقدير منجزات بعضنا أو تبخيسها، وميزة المجتمع الرياضي بالنسبة لأي دارس لمثل هذه الأبواب أنه مجتمع مفتوح، وربما بلا أبواب أساسًا، فهو يعطيك روحه وبوحه من الوهلة الأولى، فضلًا عن أنه يحتلّ الواجهة كلها في الميديا بكافة أنواعها وألوانها من ورق الجرائد الكلاسيكية إلى منصات الـ «تويتر» و«فيسبوك» و«سناب شات» وغيرها، ومن استديوهات المحطات الفضائية إلى المجالس والاستراحات، بمعنى أنه المجال الأكثر إتاحة على مدار الساعة، مما يجعل من قراءته أيسر من قراءة الفاتحة.

أيضًا هنالك ميزة إضافية لهذا الوسط الفعّال، تؤهّله أكثر من غيره كمقياس شفاف لآلياتنا في التفكير، وهي أنه وبحكم ارتفاع «ديسيبل» الصوت فيه، والذي كثيرًا ما يطاول الغوغاء فيُسقِط كل فرص التفكير بين المتحاورين، ليُخرِج مكنونات النفوس كردود فعل كالجثث يلفظها البحر، مما يمنع فرص المواربة، بمعنى أن كل شيء على المكشوف، هذا فضلًا عن أنه المجال الذي تتاح فيه كل الأسلحة بما فيها الضرب تحت الحزام على قاعدة «اللي تغلب به إلعبْ به»، والجاهز دائمًا لاستدعاء ذهنية داحس والغبراء في سياق مرافعاته، مع ترقية نظرية المؤامرة متى لزم الأمر ولأتفه الأسباب إن كانت تخدم لونه، وتوظيف التشكيك كأداة للنيل من الآخرين حتى فيما لا يمكن التشكيك فيه، ولو كان بمرتبة حقيقة الليل والنهار.

من يريد أن يقرأنا منّا أو من سوانا، فلن يجد صفحة مفتوحة ومتاحة تختصر أزماتنا مع أنفسنا أجدر من صفحة الرياضة، وتحديدًا كرة القدم، وهي صفحة لا ينتهي فيها الانتصار للفريق عند تمني فوزه، أو خسارة منافسه، ولا حتى عند تشجيع المنافس، وإنما يمتدّ لما هو أبعد ليبلغ تمني أن تسقط الطائرة التي تقلّ المنافس، أو أن تتزلزل الأرض فتتوقف الحياة قبل أن يحتفل المنافس بانتصار ما، إلى غيرها مما يتمّ تربيته في مزرعة الضغائن والأحقاد باسم الرياضة والروح الرياضية، إلى حدّ أن يغصّ البعض بمفردة التبريك بفوز المنافس على فريق من آخر الأرض، فإذا كنا في تقبّل منتجات الكرة هكذا، وهي مجرد منافسة في لعبة، فكيف إذن سنكون فيما سواها ؟. سؤال بريء !