خضير البراق

من بيت مال وثراء تجاري خرج هذا المفكر الفيلسوف، خلافاً للاعتقاد السائد بأن التجار لا ينتجون في الغالب سوى تجار مثلهم، وأن مَنْ جاء إلى الوجود وفي فمه ملعقة من ذهب لن يكون قادراً على رؤية الحياة بفضائها الواسع سوى من خلال هذه الزاوية الضيقة، زاوية الرفاهية والدلال والتمتع بملذات الحياة، والطبقية الطاغية، والأنانية المفرطة، والبحث عن المزيد من المال!

لكن نجيب الزامل -ولا ضير أن يكون بدافع ارتياحه المالي- ترك هموم التجارة والتجار، وجاء إلينا أديباً ناضجاً ومفكراً فيلسوفاً يقولب اللغة والمضامين، ويكتشف نظرياته الخاصة، ويطرحها بطريقة بسيطة قد تبدو عبثيّة أحياناً، أو «ترَفيّة» في أحيانٍ أخرى، ولكنها تعبّر بشكل واضح عن صدقٍ وتصالحٍ ذاتيّ مع النفس، وصفاءٍ روحيّ لافت، فضلاً عن بُعدِها «التأملي» العميق في مشاهد وصور الوجود، وهي قدرة قد لا تتوافر لأي «متأمّل»؛ لأن التأمّل «النابه» مرحلة متطورة جداً تبتعد كليّاً عن مفهوم «التحديق!» المجرد، الذي ينظر للأشياء من قشرتها الخارجية ولا يستطيع التوغل إلى الأبعد والأعمق فيها!

نجيب الزامل رجل العمل التطوعي والاجتماعي، الذي نذر نفسه لخدمة الناس بمبادرات وطنية نوعية رائعة، استطاع من خلالها أن يؤسس لمفاهيم جديدة في كيفية نبذ الذات والانصهار الإنساني في هموم الآخرين، واستنهاض طاقات شابة تشاركه الحس الرفيع ذاته، وتكوين مجموعات عمل تطوعي ميداني تنطلق في كل اتجاه كبلاسم رائعة تلامس الكثير من الآلام وتعالج الكثير من الجراح!

تحية لهذا الرجل الوديع البسيط جداً، الذي يؤمن «بقوة البساطة» ويتمثل دوماً بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

** هذا المقال كان جاهزاً ضمن مسودة كتاب أعمل على إصداره.. ولكنه فرض نفسه للنشر بوفاة الفقيد الأستاذ نجيب تغمده الله بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته وألهم محبيه وذويه الصبر.. (إنا للّه وإنا إليه راجعون).