سالم اليامي

في برنامج تلفزيوني أسبوعي كان السؤال: هل أنت مع، أو ضد، صرف حوافز للمدرسين العاملين في المناطق النائية؟ الإجابة بطبيعة الحال كانت مع، وعلى طول الخط، لأن مهنة المعلم من المهن القديرة، والحيوية في صناعة المجتمعات، وبنائها. ويجب أن يحصل على كل عناصر الدفع، والتحفيز ليعطي ما عنده، لأبنائنا الطلاب. القطاع الذي أذكر أنه يوفر لمنسوبيه حوافز إضافية كان القطاع العسكري، حيث تحسب سنوات الخدمة مضروبة في اثنين، إلى جانب ميزات أخرى تتعلق بزيادة ربما في المرتب المادي، والأفضلية في الترقية وخلافه. ولكن هذه المعلومات قديمة، وتعود لسنوات سابقة عندما كانت هناك بالفعل مناطق نائية، تختلف فيها الحياة، وأسبابها عما هي عليه الحياة في الحواضر، والمدن. عندما لم يك هناك وسائل اتصال بين الناس في الجانبين سوى الرسائل البريدية، أو الزوار الذين ينتقلون من الحواضر إلى الأرياف، أو المناطق النائية. في أيامنا هذه -ولله الحمد- يصعب وصف منطقة أو ناحية أو جهة بأنها نائية لأن كل معطيات الحياة، الحديثة هي في القرية كما هي في المدينة. ومن مشاهداتي في العامين الأخيرين لاحظت ما يؤكد وصول معطيات الحياة المرفهة -أو التي بالعادة تقتصر على المدن- إلى مناطق كنت أعتقد أنها بعيدة عن أسلوب حياة المدن، من ذلك مثلا مطاعم الوجبات الجاهزة المشهورة موجودة في كل مكان تقريبا، وتقوم بنفس الخدمة في الريف كما تقوم بها في الحواضر، والمدن. وفي إحدى سفراتي إلى منطقة كنت أظنها نائية وفي ساعة متأخرة من الليل لاحظت أن خدمات التوصيل من المطاعم تتحرك بين المزارع والبيوت لتوصيل الطلبات للناس في منازلهم ومزارعهم. بعد أن كنت أعتقد أن مثل هذه الخدمة تتوافر فقط لأبناء المدن.

في المناطق التي تسمى نائية أو ريفية، لم يعد الناس ينهون العمل في حقولهم ومزارعهم، عند الغروب ويأوون إلى منازلهم وينامون في وقت مبكّر لا يتجاوز ما بعد صلاة العشاء على أبعد تقدير. الناس في تلك المناطق ينافسون أهل المدن في السهر الطويل، ويعطون جزءا من وقتهم لاستخدام وسائل التواصل الحديثة التي أصبحت هي الأخرى عنصر توحيد، ومساواة، بين الجانبين المدينة والريف. ما أود قوله بصورة واضحة أنه لم يعد هناك فارق كبير بين الأرياف وبين المدن، الفرق كان في الزمن السابق حيث لم تكن هناك وسائل اتصال سريع، وكانت ربما التنمية غير متوازنة في الجانبين حيث تذهب كثير من فرص التنمية والتمدين للحواضر بشكل واضح. فكان الشخص الذي يذهب للعمل في المناطق النائية أو الأرياف يعيش فارقا ملموسا أحيانا. أتذكر الرواية الهامة للكاتب توفيق الحكيم -رحمه الله- الذي عاش التجربة في ثلاثينيات القرن الماضي حيث نقل للعمل في الأرياف واستثمر هذه التجربة بالكتابة، والتدوين اليومي لما يواجهه في حياته من صعوبات العيش البسيطة، واستطاع أن ينقل البيئة التي تحيط به للقراء، ثم انتقل إلى تشخيص صور الناس المحيطين به، على اختلاف مواقعهم الاجتماعية. ما يقال في هذا المقام إن الريف والعمل فيه ليس شرا خالصا، بل نستطيع أن نستثمر المتغيرات في طبيعته وتعديل أوقات أنشطتنا اليومية بما يوفر لنا إمكانية إنتاج عمل فني، أو أدبي، أو حتى تخصيص ساعات لأعمال وأنشطة أخرى مثل الرياضة وتدريب الجسم. ومن هذا المنطلق فإن مدرسينا الأعزاء مدعوون لخوض هذه التجربة للاستفادة مما تقدمه لهم الوزارة من ميزات مادية، ووظيفية، وهم في ذات الوقت أمام فرصة قد لا تعوض للنفس ومع النفس، ليكتشفوا ما قد يكون مخبوءا في شخصياتهم من ممارسة لعمل فني أو إبداعي أسوة بتوفيق الحكيم الذي أنتج من الواقع الصعب الذي عاشه عملا روائيا مميزا كان الفضل فيه للريف وللبيئة الريفية.

salemalyami@