د. لمياء عبدالمحسن البراهيم

في طفولتي لما كان إعلامنا عبارة عن تلفزيون وفيديو وصحف ومجلات وجلسات الأهل والصديقات، ومع رفيقات الطفولة وإحداهن كانت تتعرض ووالدتها لتنمر عائلي (أمها أجنبية)، قالت بدمعة قهر إنها ترغب في أن تكون محور حديث الجميع ويشار لها، أعتقدت أنها تطمح للاجتهاد والتفوق العلمي الذي كان الوسيلة المثلى والمتاحة للفتيات بجيلي للتميز مهما كانت ظروفها العائلية وحالتها الاجتماعية والاقتصادية، لكنها فاجأتني لن يتكلم عليك الناس وتشتهرين إلا إذا قمت بسوء.

افترقنا وقد تزوجت واستقرت ولا يسمع عنها إلا الخير هي وعائلتها الجميلة ولم تصبح مشهورة لا بخير ولا بشر، وتذكرت كلماتها اليوم وأنا أرى كيف يتفاوت الناس بين هارب من الأضواء ومغرق بالخصوصية خوفا من الحسد ومراقبة الناس له، وبين من فتح حياته حتى في نشر ما يكره ويعرضه للمساءلة القانونية ليكون مشهورا، فنراهم يعرضون مقاطع تصورهم في أوضاع خادشة للحياء، أو بقذف الآخرين والتلفظ بألفاظ نابية أو تصوير أنفسهم وهم يقومون بمخالفات قانونية صريحة مثل العنف الأسري، أو تنتيف الحَمام في الحمام، بل ويدفعون من مالهم ليهتم الناس بهم، بشراء هدايا وتغليفها وتقديمها لأنفسهم على أنها من معجبين ومعجبات، أو شراء وسم يتكرر بين الحين والآخر (بحسب الاتفاقية مع الجهة المعلنة) ينشرون لهم فيها فضيحة ما فيدخل الناس ليسبوهم وينتقدوهم ثم تظهر حسابات تدافع عنهم (أيضا مدفوع لها) أو حسابات أصدقاء لهم أو لناس مساكين لا يعرفون ألعاب الإعلام الجديد، ثم تبرد القصة ويزيد عدد متابعي من استغفلهم ويتحول لمشهور مهما كان السبب.

ناقشت شبابا في مقتبل العمر لأفهم كيف يفكر جيلهم بخصوص الشهرة والمشاهير، فقالوا ماذا تتوقعين من مغمور ومهمش، وقد يكون متنمرا عليه، أو طموح حالم لا يملك إمكانيات للوصول لأهدافه، ويرى من تفتح لهم الأبواب من مختلف الأجيال عبر شاشات الأجهزة الذكية أو الدعوات والاستضافات، وكيف يتحول إلى شخصية لها اعتبار ويتأثر به الآخرون (تذكرت فيلم الجوكر) بخلاف ما ينالونه من حظوة ومال وتسهيلات.

عادت ذاكرتي لورقة العمل التي كتبتها في عام 2013 بدراستي لماجستير الصحة العامة (مقرر علم السلوك الصحي) إبان ثورة التواصل الاجتماعي، بعنوان تأثير الإعلام الجديد على السلوك الصحي، فوسائل التواصل الاجتماعي تحمل فرصا وتحديات في التغير الاجتماعي والسلوكيات الصحية ومن الأمثلة السمنة وأنماط التغذية الصحية، والتدخين، والتعامل مع الأزمات الصحية والفاشيات.

فمن الفرص سهولة استخدام التواصل الاجتماعي والوصول له والذي سمح للفئات الهشة، والمهمشة والمنبوذة بالدخول له ومشاركة الآخرين أفكارهم، واحتياجاتهم وجمع المتشابهين معهم لمشاركة تجاربهم وهمومهم والرفع بمطالبهم.

ومن التحديات استخدام التواصل الاجتماعي لتضليل الرأي العام وإثارته في قضايا مفتعلة أو للإساءة للجهود المبذولة ونشر الشائعات وما يثير الهلع والإحباط وإشغال الناس بقضايا مفتعلة والإباحية والانحلال، وكورونا الجديد حاليا كمثال حين يتناقل الناس المثير مهما كانت مصداقيته متجاهلين المصادر المتخصصة للمعلومة.

كذلك ساهم التواصل الاجتماعي في إشهار الشخصيات السيكوباتية - ومنها من يعانون من اضطراب الهستيريا- التي تجنح للكذب في لفت النظر لها ولأن أكاذيبهم مثيرة فهم يجدون انتشارا عند المتلقي الذي لا يعرف أنه يتأثر بشخصية مضطربة نفسيا (بالتشخيص الإكلينيكي) تستخدم الخداع والتأثير العاطفي والتنمر على الآخرين أو ادعاء التنمر عليها ومعارك وهمية مع جنود وهميين للفت النظر لها.

ختاما لا تجعلوا من الحمقى مشاهير فتكونوا أنتم أحمق منهم وانتبه خلك واعي.

@DrLalibrahim