محمد حمد الصويغ

القرار الذي اتخذه المعنيون بإدراج الموسيقى والمسرح والفنون ضمن مناهج التعليم سواء العام أو الأهلي وإعطاء التصاريح والرخص بمزاولة تلك الأنشطة والمسارات لوزارة الثقافة هو قرار صائب فإيجابياته العديدة لن تقتصر على الجوانب التعليمية فحسب بل تطال كافة الاتجاهات الفكرية والثقافية والسلوكية، فالموسيقى هي لغة الشعوب التي لا تترجم مفرداتها الحرفية بين لغة وأخرى من اللغات الحية أو غير الحية، بل تترجمها المشاعر الوجدانية والأحاسيس والعواطف وتنتقل بين شعوب الأرض للارتقاء بأذواق أبنائها، والمسرح هو «أبو الفنون» كما يوصف، والمجتمعات الخالية من الحركات المسرحية تعد من الشعوب التي لا تأخذ بأسباب التقدم والتحضر، وبقية الفنون كالتشكيل ونحوه تمثل أسلوبا حضاريا لا بد من ممارسته على نطاق واسع.

إزاء ذلك جاءت تلك الخطوة الحميدة لتغدو من أهم المشروعات الثقافية التي أعلنتها المملكة، فهو مشروع يرتبط وفقا لأعراف الشعوب بتقدم ونمو حضاراتها، وقيام الجهات المختصة بتطبيق هذا القرار يمثل في حقيقة الأمر استشرافا لمستقبل أفضل، فالإيمان بأن تلك المنطلقات من أهم الأدوات الثقافية التي يجب الاهتمام بها والعناية بغرسها في عقول الناشئة يعد مبادرة ترسم خطوطا عريضة لتوعية سديدة بتأسيس ثقافة متطورة لهذا البلد المعطاء تتوافق إيجابا مع ما رسمته الدولة في رؤيتها الطموح 2030.

والقرار في حد ذاته يشكل تكاملا واضحا بين وزارتي التعليم والثقافة في هذا الاتجاه تحديدا، وهو تكامل ملح يستهدف دعم حركة التنمية الثقافية وتفعيلها، فهذه الصورة من التكامل تضمن الخروج بقيم اجتماعية ووطنية متعددة من شأنها خلق أبعاد من التعددية وقبول الآخر وبلورة النظرة المستقبلية لترجمة تطلعات هذا الوطن إلى مزيد من الرقي والنماء فالقرار يحمل في مضامينه إضافة نوعية للتعليم من خلال إضافة تلك المضامين إلى ثقافة واعدة منتهجة في إطار ذلك التكامل المنشود، فلم تعد تلك المضامين غائبة بعد اليوم عن المنهج التعليمي، ولم تعد غائبة بالتالي عن الثقافة المرتقبة في هذا الوطن.

التوسع في مناهج الفنون المختلفة كالشعر والنثر والإلقاء والمناهج الموسيقية والمسرحية يدفع المناهج الدراسية إلى آفاق ثقافية بعيدة سوف تؤدي بشكل تلقائي وعملي ومباشر إلى الارتقاء بالفعل الثقافي ووضعه في مكانه اللائق والمناسب بين الأفعال الثقافية العالمية، لا سيما أن الاستفادة من الخدمات الرقمية لإنجاز المشروعات الثقافية المتعددة سوف تؤدي إلى التأسيس لمرحلة نوعية جديدة ومرنة في عالم الثقافة التي يضطلع المسؤولون عنها لتحقيقها على أرض الواقع في زمن قياسي.

ويتوافق القرار الحميد مع النظرة البعيدة لتصحيح المفاهيم القديمة الخاطئة، وتصحيحها يكمن في تغييرها حتى تتناغم مع حياة الإنسان المعاصر وتخطيطه لصناعة مستقبله الأفضل لتحقيق مصالحه ومصالح مجتمعه وفقا لمعطيات مفاهيم جديدة ترقى بفكر إنسان هذا الوطن ومعطياته الثقافية المتنوعة، فدراسة تلك الفنون ضمن المناهج التعليمية تمثل منعطفا هاما لرسم ثقافة المستقبل القائمة على بلورة الاتجاهات الفكرية والسلوكية والارتقاء بها إلى أرفع المستويات والدرجات في وطن يتسابق فيه مع الزمن لتحقيق أبعاد وطموحات التنمية النوعية المتجددة في مختلف المجالات والميادين.

mhsuwaigh98@hotmail.com