د. نورة عبدالله الهديب

ولأني أغرد كثيرا، فإن تفاعل البعض يُلهم قريحتي الفكرية في بعض المواضيع التي تتنوع ما بين الواقعية والفلسفية. على سبيل المثال؛ طرحت تغريدة ذات مرة عن الغيرة وتفاعل البعض معها ولكن شدتني أسئلة أحد المتابعين والذي يهتم بالأطروحات ذات العمق النفسي والفلسفي. فقررت أن أجيب عن أسئلته في هذا المقال. أولا، كيف يُحوِّل الإنسان غيرته من نجاح الآخرين إلى دافع للتحدي والمنافسة الشريفة؟ من وجهة نظري أن كلمة (يُحوِّل) تعني أن هناك تركيزا مكثفا على نقطة ما دون الأخرى. فالبعض منّا ينسى قدراته وإمكانياته بسبب انبهاره بإنجازات الآخرين. فلو حوّل الإنسان تركيزه على ما يملكه من قدرات وآمن بوجودها فسوف يستطيع أن يشغل نفسه ويبدع في كيفية استخراجها وتطبيقها على أرض الواقع.

الغيرة جزء من ذات الإنسان ولكن لها مراحل قد تؤذي صاحبها ومحيطه إذا ما تمت السيطرة عليها وذلك عن طريق تقدير الذات للوصول إلى الثقة بالنفس والتي تؤدي إلى الرضا والقناعة بما رزقه الله من أدوات ومهارات. فالإنسان في هذه الحالة يستطيع أن يشجع الآخرين على إنجازاتهم وفِي نفس الوقت يستطيع أن يجعل نجاحهم دافعا له إذا تمكن من الإيمان بإمكانياته وما وهبه الله تعالى.

ومن ضمن الأسئلة المطروحة، هل الغيرة أمر فطري أم أنها مرض يجب علاجه؟ ما الذي يدفع البعض للغيرة من الآخرين؟ أعتقد ومن وجهة نظري أن الغيرة أمر فطري يلازم الإنسان منذ الولادة وهي إما أن تكون متوارثة ضمن الصفات المتشابهة بين الأجيال أو تتطور في الإنسان إلى مراحل أخرى وذلك حسب البيئة والظروف المحيطة. فالغيرة إيجابية الأصل لأنها جزء من حاجة الإنسان للبقاء ولكنها تتحول إلى سلبية تحت ظروف معينة. عندما لا يستطيع الإنسان كبح جماح غيرته من الآخرين فإنها تتطور حتى تصل إلى الحسد والذي بدوره يؤدي إلى الحقد والعياذ بالله. تكلمت مسبقا عن تقدير الذات وكيف أن تقدير الذات يؤدي إلى الثقة بالنفس وإن لم يعمل الإنسان على ذلك فإنه لربما يقع ضحية غيرته التي ستشغله عن نفسه. وإذا انشغل الإنسان عن نفسه ليراقب إنجازات الآخرين فإنه سيتعود على ذلك ليهمل نفسه ويُضيع قدراته التي رزقها الله تعالى له.

وأخيرا فنصيحتي لذلك الإنسان الذي يعاني من الغيرة هي كالتالي، لا تقف عاجزا أمام نفسك فوجود أدوات عقلك ليس لتعطيلها بل يجب عليك أن تُفعّلها لتبدأ رحلة الاستكشاف في ذاتك أولا وتؤمن بما لديك من قابليات خافية لتعمل على تطويرها بالوسائل التي تميل لها. فهذه الرحلة سوف تمكنك من التميز في كيفية إظهار بصمتك والانشغال في كيفية تطويرها، لأن ذلك سيجعلك ترى ذاتك وتنبهر بها فتتشجع على إخراجها بالشكل الذي تريده أنت لا الآخرون.

@fofkedl