في مقال سابق بعنوان «مكتبة ٢١١٤»، وتناول مكتبة تتأسس على مدى ١٠٠ سنة، والذي نشر في شهر يوليو ٢٠١٧ كتبت الجملة الآتية: «في النرويج بدأوا بمبادرة لتقليل سرعة الحياة، وهو موضوع مهم سوف أتناوله في مقال مستقبلي (قبل أن تنقضي المائة سنة)». ولعل الوقت حان أن أوفي بوعدي، وإن كنت ألتمس العذر لدى القراء الأكارم لاستعجالي رغم أن الوقت المتبقي أكثر من ٩٧ سنة. لا تلوموني إن اعتدت على السرعة. فسمة عصرنا التسارع في كل شيء، سواء كان ذلك في العمل أو الحياة الاجتماعية. فكثيرا ما تجد أناسا «يركضون» أو «ملحوقين» تحيط بهم طاقة من الاستعجال والتوتر المعدي.
في العمل يطلب منك التسليم غدا أو قبل ذلك. تأكل دون أن تمضغ طعامك جيدا ولا تستشعر بطعمه. تحس أن كل ما يحيط بك بطيء لدرجة مستفزة.
هذا التسارع مرتبط بفكرة استغلال الوقت بالشكل الأمثل وعدم تضييعه والتنافس الذي يحدث في بيئات العمل. قد تؤثر هذه السرعة بشكل إيجابي عندما تكون محفزة وملهمة، ولكن إذا أكثرنا من هذا النوع من الإجهاد يصبح سلبيا على صحة الإنسان واستدامة المؤسسات. فنحن نستطيع أن نسرع بعض الأحيان ولكن ليس بصفة مستمرة.
عام ٢٠٠٤ صدر كتاب «في مدح البطء» (In Praise of Slow) للصحافي الكندي كارل هونوري (Carl Honore) والذي يعرف «الحركة البطيئة» (Slow Movement) على «أنها ثورة ثقافية ضد فكرة أن الأسرع دائما أفضل. فلسفتنا البطيئة لا تدور حول فعل كل شيء ببطء الحلزون. إنها تتعلق بالسعي لفعل كل شيء بالسرعة المناسبة. تذوق الساعات والدقائق بدلا من مجرد عدها. القيام بكل شيء بقدر الإمكان، بدلا من القيام بها بأسرع ما يمكن. يتعلق الأمر بالكيف وليس الكم في كل شيء من العمل إلى الغذاء إلى الأبوة والأمومة».
في ظل هذه الحركة ظهرت عدة أنواع من تطبيقات البطء، منها: العيش، والموسيقى، والمدن والعمارة، والطعام البطيء. في الأساس تدعو جميعها إلى التلذذ باللحظة، والعيش بسرعة مناسبة خارج ضغوط الاستعجال والاختصارات التي قد تعتبر وكأننا نقوم بالغش في لعبة الحياة.
الدروس الكامنة في الدعوة للبطء ليست جديدة، فالإمبراطور الروماني أوغسطس (Augustus) كان يقول «استعجل ببطء»، والمثل الياباني يقول «إن كنت مستعجلا فامش ببطء»،
أما عن مبادرة النرويج لتقليل سرعة الحياة، فكانت على هيئة «التلفاز البطيء» والذي ينقل أحداثا طويلة دون تحريرها عبر ساعات وأيام. منها على سبيل المثال نقل حي لرحلة قطار تدوم أكثر من ٦ ساعات عبر كاميرا معلقة في مقدمة القطار أو رحلة عبارات النرويج الشهيرة «هورتيجروتين» (Hurtigruten) والتي دامت ١٣٤ ساعة، وبث مباشر لصيد سمك السالمون لمدة ١٨ ساعة.
جميعنا لديه على الأقل جانب واحد من الحياة يمكن أن يبطئه. لعلنا نستمتع أكثر إن فعلنا.
sssolaiman@
في العمل يطلب منك التسليم غدا أو قبل ذلك. تأكل دون أن تمضغ طعامك جيدا ولا تستشعر بطعمه. تحس أن كل ما يحيط بك بطيء لدرجة مستفزة.
هذا التسارع مرتبط بفكرة استغلال الوقت بالشكل الأمثل وعدم تضييعه والتنافس الذي يحدث في بيئات العمل. قد تؤثر هذه السرعة بشكل إيجابي عندما تكون محفزة وملهمة، ولكن إذا أكثرنا من هذا النوع من الإجهاد يصبح سلبيا على صحة الإنسان واستدامة المؤسسات. فنحن نستطيع أن نسرع بعض الأحيان ولكن ليس بصفة مستمرة.
عام ٢٠٠٤ صدر كتاب «في مدح البطء» (In Praise of Slow) للصحافي الكندي كارل هونوري (Carl Honore) والذي يعرف «الحركة البطيئة» (Slow Movement) على «أنها ثورة ثقافية ضد فكرة أن الأسرع دائما أفضل. فلسفتنا البطيئة لا تدور حول فعل كل شيء ببطء الحلزون. إنها تتعلق بالسعي لفعل كل شيء بالسرعة المناسبة. تذوق الساعات والدقائق بدلا من مجرد عدها. القيام بكل شيء بقدر الإمكان، بدلا من القيام بها بأسرع ما يمكن. يتعلق الأمر بالكيف وليس الكم في كل شيء من العمل إلى الغذاء إلى الأبوة والأمومة».
في ظل هذه الحركة ظهرت عدة أنواع من تطبيقات البطء، منها: العيش، والموسيقى، والمدن والعمارة، والطعام البطيء. في الأساس تدعو جميعها إلى التلذذ باللحظة، والعيش بسرعة مناسبة خارج ضغوط الاستعجال والاختصارات التي قد تعتبر وكأننا نقوم بالغش في لعبة الحياة.
الدروس الكامنة في الدعوة للبطء ليست جديدة، فالإمبراطور الروماني أوغسطس (Augustus) كان يقول «استعجل ببطء»، والمثل الياباني يقول «إن كنت مستعجلا فامش ببطء»،
أما عن مبادرة النرويج لتقليل سرعة الحياة، فكانت على هيئة «التلفاز البطيء» والذي ينقل أحداثا طويلة دون تحريرها عبر ساعات وأيام. منها على سبيل المثال نقل حي لرحلة قطار تدوم أكثر من ٦ ساعات عبر كاميرا معلقة في مقدمة القطار أو رحلة عبارات النرويج الشهيرة «هورتيجروتين» (Hurtigruten) والتي دامت ١٣٤ ساعة، وبث مباشر لصيد سمك السالمون لمدة ١٨ ساعة.
جميعنا لديه على الأقل جانب واحد من الحياة يمكن أن يبطئه. لعلنا نستمتع أكثر إن فعلنا.
sssolaiman@