خالد السعيدي

تاجر الخردة والأجهزة المستعملة، تاجر من طراز آخر، تشترى منه لا/‏ لأجل بضاعته، إنما عطفا عليه ورأفة منك بحاله.

هو نتاج لظروف قاسية اجتماعية، ومادية، جعلته بلا هوية، ملامحه شكلتها قسوة السنين، عمره يمكنك تحديده من تجاعيد وجهه، تعرفه حارتنا لأنه من معالمها الجميلة، حتى الطرق لا سار في شوارعها تحنو عليه وترأف بحاله، لا ترهقه وكأنها تقصر له المسافات. يجوب شوارعنا متجولا بقدميه من بيته إلى مكان بسطته في السوق الشعبي، كل شيء لديهم يباع، لا شيء من دون ثمن، يقتنع تجاره بالمال اليسير، بسطاء إمكانياتهم جدا محدودة، لكنهم تمردوا على ظروف الحياة القاسية والمؤلمة، ليبيعوا كل شيء ممكن حتى يعيشوا ويستمروا في مواكبة الحياة ومتطلباتها التي لا تنفد، وكذلك ليدفعوا عن أنفسهم وأهليهم الفاقة والحاجة.

أحيانا سعادتهم بعشرة أو عشرين ريالا يوميا؛ لأنهم يعتبرونها ربحا لبضاعة اشتروها بأكثر من بيعها، لأنها جلست كثيرا بين أشيائهم التي لا تباع.

مبخوت، تاجر ليس للربح فقط إنما أيضا ليتسلى ويضحك ويعيش يومه الطويل المليء بالمفاجآت، فالبعض يعتقد بأنه شخصية بوليسية خطيرة، يلبس جلباب الفقر والحاجة، كما أنه يتقن التمثيل، والبعض يعتقد أن لديه صناديق حديدية من المال يخفيها تحت بلاط بيته، رغم أنه ينتقل من بيت إيجار لآخر.

مبخوت، عندما تنظر إليه تصيبك الدهشة ! كيف له أن يضحك ويبتسم؟ من أين له تلك القوة والجبروت؟ من أين له هذا الصبر وأي ينبوع عذب يسقي قلبه؟ حتى جعله يضرب الدنيا بعرض الحائط، رغم مرارتها وقسوتها عليه.

هو، صانع للابتسامة، يحمل قلبا رقيقا يتسع للجميع، هو صاحب الأمثال الشعبية المضحكة، يضحكك بأسئلته البريئة والتي لا مفر من الإجابة عليها، «فإن لم تقل خميس ثوبك كله يخيس، وإن لم تقل أحد لا يضربك أحد»، ما أطهر قلبه، وما أجمل إنسانيته، وما أعظم صبره، رغم بساطته المفردة لديه، إلا أنه إنسان يستحق أن يعيش بهوية وطنية.