غيداء العويد

ينصرم اليوم بكل تناقضاته وتؤوب الحزينة إلى غرفتها، تختلي في الظلام بربها وتنحني لتناجيه:

إلهي الرحيم

أصلي إليك مرارا منذ فترة، على أن تجعلني جميلة حين أكبر! وصرت أعرف أنها ليست صلاة لائقة وتعتذر منه، ثم تكمل أنها توصلت إلى رأي متطور سعيد بأنها غير عادية وتتقبل ذلك.

آه، كل هذا كان بسبب إطراء لطيف!

الكلمة حقا وحقيقة سحر، سر، سنديانة وسايكلوب.

الكلمة مثل الجسد ونحن نسدل عليها الأردية المختلفة، نرخي عليها ذوقنا الخاص جدا! دانتيل، حرير، ساتان، شيفون، قطن، كتان، صوف، مزركش،

مرقط، منقط، مخطط، فضفاض، ضيق، ملائم، طويل، قصير، مناسب، سميك، خفيف، ناعم، فخم، أسمال وأطمار.

في نهاية العام الفارط انزويت وحدي في مقهى أنيق برفقة كتابي وعبق كوب القهوة الساحر يتضوع في كل الأرجاء، فإذا بأحاديث عذبة تنساب وتلثم مسمعي بين أم وابنتها فتفر من روحي ابتسامة رحيبة وأنا أستلذ المحبة والمرحمة في الكلمات المطلية بالسكر والمغموسة بالعسل والمغمورة بماء الزهر، أغادر المكان ونفسي تهتف المجد للكلمات! المجد للكلمات!

أذكر أني قرأت نصا منذ سنوات بعيدة لكنه لم يبارح عقلي لزوج عاشق فقد شريكة الدرب والعمر رثاها فيه قائلا:

كانت نبعا يفيض بالحب والحنان، كانت حلوة الوجه والتقاطيع واللسان تتمايل في مشيتها أمامي في البيت كغزال، كانت حلوة القد وكانت تناديني وتكلمني بالأغاني!

إن أكثر ما استوقفني وأثار تأملاتي أنها كانت حلوة اللسان تناديه وتكلمه بالأغاني

يا إلهي ! أليس حري بكل زوجة أن تتمثل بها؟!

أجل! قد يفنى الإنسان ولا تفنى كلماته تظل شاخصة في العقل والوجدان.

ولماذا نذهب بعيدا؟! أوليست معجزة نبينا الخالدة كانت مجموعة كلمات، نحن الذين أمرنا المولى أن نتعبده ونتزلفه بالكلمات، نصلي وندعو ونذكر بسيل من الكلمات، بل نؤدي سائر عباداتنا ومناسكنا والكلمات ترافقنا وترقينا إليه. أولم يخبرنا ربنا الحكيم أن كلمتنا الطيبة تماسس السماء وتؤتي -لا محالة- ثمارها

(ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون)

فلماذا لا ننتخب وننخل كلماتنا قبل أن تنبجس من أفواهنا بلا أي رادع؟

و في الختام لا يسعني إلا أن أقول:

عطف الله قلوبنا !